للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نُهِي عن بعص البيوع لما فيها من الغرر، كنهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن تلقي الجلب (١)؛ لما فيه من الغرر، كإنسان يعترض طُرق الفلاحين ليصطادهم فيشتري منهم بالرخيص، وبعد ذلك يبيع للناس بأعلى، ويصدق هذا الصنيع مع الذين يقدمون بالتجارة.

* قوله: (وَالرَّابِعُ الشُّرُوطُ الَّتِي تَئُولُ إِلَى أَحَدِ هَذَيْنِ أَوْ لِمَجْمُوعِهِمَا. وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ هِيَ بِالْحَقِيقَةِ أُصُولُ الْفَسَادِ، وَذَلِكَ أنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا تَعَلَّقَ فِيهَا بِالْبَيْعِ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ بَيْعٌ لَا لِأَمْرٍ مِنْ خَارِجٍ، وَأَمَّا الَّتِي وَرَدَ النَّهْيُ فِيهَا لأسْبَابٍ مِنْ خَارِجِ، فَمِنْهَا الْغِشُّ).

لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا"، وسبب هذا الحديث: أَنَّ النَّبِيَّ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَام (٢)، فَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِيهَا، فَإِذَا فِيهِ بَلَلٌ، فَقَال: "مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَام؟ "، قَالَ: أَصَابَتْهُ سَمَاءٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَهَلَّا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حتى يَرَاهُ النَّاس، مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا" (٣)، وفي رواية: "مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا" (٤)، وما أكثر الذين يسلكون هذه المسألك، فتجد كثيرًا من


(١) أخرجه مسلم (١٥١٩)، عن أبي هريرة، بلفظ: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتلقى الجلب"، وأخرجه البخاري (٢١٤٩)، عن ابن مسعود، بلفظ: "ونَهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن تُلَقَّى البيوعُ".
و"الجَلَبُ": ما جُلِب من غنم أو شيء، والجميع الأَجْلاب، وتلقي الجلب: هو استقبال أهل البادية ونحوهم، وشراء ما يحملونه معهم قبل وصولهم إلى البلد. "شمس العلوم"، لنشوان الحميري (٢/ ١١٣٢)، و"معجم لغة الفقهاء"، لمحمد رواس قلعجي، وحامد صادق قنيبي (ص ١٤٥).
(٢) "الصُّبْرة": الطَّعَامُ المجْتَمِع كَالكُومَةِ، وجمعُها صُبَر. "النهاية في غريب الحديث والأثر"، لابن الأثير (٣/ ٩).
(٣) أخرجه ابن حبان (٤٩٠٥). وصحَّحه الألبانِيُّ في: "التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان" (٧/ ٢٥٤).
(٤) أخرجه الترمذي (١٣١٥)، وصحَّحَه الألبانِيُّ في "صحيح الترمذي" (٣/ ٣١٥)، وروي الحديث بألفاظ أخرى؛ فأخرجه مسلم (١٠٢) عن أبي هريرة، بلفظ: "مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي"، وأبو داود في "سننه" (٣٤٥٢)، بلفظ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ".

<<  <  ج: ص:  >  >>