للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فـ {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} وصف لأحوال هؤلاء الذين اتسعت بطونهم، وأصابهم الجشع؛ فأكلوا أموال الناس بغير حقٍّ، وهذا وصف دقيق لأحوالهم (آكلو الربا) فيخرجون من قبورهم كالمجانين الذين أصيبت عقولهم، واستولى عليهم الشيطان؛ فيكونون في حالة هستيرية، ولذلك قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ليلة أُسرِيَ به: "أَتَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِى عَلَى قَوْم بُطُونُهُمْ كَالْبُيُوتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرَائِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أكَلَةُ الرِّبَا" (١)، والأدلَّة على ذلك كثيرة.

وقوله: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦)"يمحق"، أي: يُذْهِبُ الرِّبا ويُزِيله ويُفنيه، وقد يرد سؤال فيقول البعض: نرى المرابين تزداد أموالهم وتكثر يومًا بعد يوم، وتتسعَ، واللهُ يقول: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} وهذا أمر قد أجاب عنه العلماء من قديم، وأُثر ذلك عن السلف - رضي الله عنهم -؛ لأن معنى المحق ذهاب المال بالكلية.

والوجه الآخر: أن الذاهب هو بركةُ المال، فلا يستفيد منه صاحبه، ونرى كثيرًا من المرابين في شقاء وعناء، يلهمث أحدهم ويودُّ لو أعطي واديين من ذهب ولو أعطاه لطلب الثالث، فهذه هي حالهم (٢).

وإذا نُزِعت البركةُ من الإنسان بقي في شقاءٍ، ورُبَّما نجد فقيرًا معه


(١) أخرجه ابن ماجة (٢٢٧٣)، وضعفه الألبانِيّ في "ضعيف الجامع" (١٣٣).
(٢) قال الرَّازيُّ في تفسيره "مفاتيح الغيب" (٧/ ٨٠): "محق الربا في الدنيا من وجوه:
أحدها: أن الغالب في المرابي وإن كثر ماله أنه تؤول عاقبته إلى الفقر، وتزول البركة عن ماله، قال - صلى الله عليه وسلم -: "الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ فَإِلَى قُلٍّ".
وثانيها: إن لم ينقص ماله فإن عاقبته الذم، والنقص، وسقوط العدالة، وزوال الأمانة، وحصول اسم الفسق والقسوة والغلظة.
وثالثها: أن الفقراء الذين يشاهدون أنه أخذ أموالهم بسبب الرِّبا يلعنونه ويبغضونه ويدعون عليه، وذلك يكون سببًا لزوال الخير والبركة عنه في نفسه وماله.
ورابعها: أنه متى اشتهر بين الخلق أنه إنما جمع ماله من الربا توجهت إليه الأطماع، وقصده كل ظالم ومارق وطماع، ويقولون: إن ذلك المال ليس له في الحقيقة فلا يترك في يده، وأما أن الربا سبب للمحق في الآخرة فلوجوه: =

<<  <  ج: ص:  >  >>