للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اتَّفَقَا مُنِعَ التَّفَاضُلُ (١)، وَالْحَنَفِيَّةُ تَعْتَبِرُ فِي الْمَكِيلِ قَدْرًا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْلُ (٢)، وَسَيَأْتِي أَحْكَامُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِمَا يَخُصُّهَا فِي كِتَابِ الصَّرْفِ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَالْمَقْصُودُ هُوَ تَبْيِينُ مَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ فِي عِلَلِ الرِّبَا الْمُطْلَقِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَذِكْرُ عُمْدَةِ دَلِيلِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ، فَنَقُولُ: إِنَّ الَّذِينَ قَصَرُوا صِنْفَ الرِّبَا عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ السِّتَّةِ، فَهُمْ أَحَدُ صِنْفَيْنِ، إِمَّا قَوْمٌ نَفَوُا الْقِيَاسَ فِي الشَّرْعِ (أَعْنِي: اسْتِنْبَاطَ الْعِلَلِ مِنَ الْأَلْفَاظِ)، وَهُمُ الظَّاهِرِيَّةُ).

أهل الظاهر لا يرون القياس بجميع أنواعه، ويرون أن القياسَ تحكيمٌ للعقل، وشرعُ اللّه دينٌ، والدين لا يُحْكم فيه العقل (٣)، لكن الذين يأخذون بالقياس يعتبرونه دليلًا شرعيًّا (٤)، واللّه - تبارك وتعالى - يقول في كتابه العزيز: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ}، والاعتبار إنما هو المقايسة.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول اللّه، وُلدَ لي غلامٌ أسود، فقال: "هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ "، قال: نعم. قال: "مَا أَلْوَانُهَا؟ ". قال: حمر. قال: "هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ ". قال: نعم. قال: "فَأَنَّى


(١) "الشرح الكبير" (٥/ ١٠٠) قال: " … علتي الربا أن ما عدا المأكول والمشروب والذهب والفضة لا ربا فيه كالصفر والنحاس والثياب والحيوان، فلا بأس أن يُبَاع الجنس منه بغيره أو بمثله عاجلًا وآجلًا ومتفاضلًا، فيجوز أن يبيع ثوبًا بثوبين، وعبدًا بعبدين، وبعيرًا ببعيرين؛ نقدًا ونسًا".
(٢) "البحر الرائق" لابن نجيم (٦/ ١٣٨)، قال: "والمراد بالقدر: الكيل في المكيل".
(٣) "الإحكام" لابن حزم (٧/ ٥٣) وما بعدها قال: "ذهب طوائف من المتأخرين من أهل الفتيا إلى القول بالقياس في الدَّين … وهذا كلام لا يعقل، وهو أشبه بكلام المرورين منه بكلام غيرهم، وكله خبط وتخليط، ثم لو تحصل منه شيء - وهو لا يتحصل - لكان دعوى كاذبة بلا برهان".
(٤) كالأصوليين مثل الغزالي في "المستصفى" (٢٨٣) قال: "الذي ذهب إليه الصحابة - رضي الله عنه - بأجمعهم، وجماهير الفقهاء والمتكلمين بعدهم رحمهم الله وقوع التعبد به شرعًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>