للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي روايةٍ أخرى لم يذكرها المؤلف أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ البُرِّ بِالشَّعِيرِ، وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ، وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلَا" (١)، الحديث متفق عليه، والرواية أخرجها مسلم (٢)، وهذه أدلةٌ صريحةٌ كما ترون، وهي حجةٌ قويةٌ لجمهور العلماء.

أما ما استدل به المالكية في قصة معمرٍ، هذا محتملٌ مجملٌ، والأمر الآخر أنه في آخر الحديث الذي في "صحيح مسلم" الذي أوردته لما سئل قال: ليس بمثله، أي: ليس البُرُّ بمثل الشعير، فقال: إني أخاف أن يضارع، يعني: أن يشابه (٣)، فهو إذًا من باب الحيطة، وكما نعلم أن السلف - رضي الله عنه - كانوا أتقى الناس وأخشاهم لله، فهم يبتعدون قدرَ المستطاع عن الشُّبُهات.

قوله: (وَأَمَّا القِيَاس، فَلأنَّهُمَا شَيْئَانِ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُمَا وَمَنَافِعُهُمَا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَا صِنْفَيْنِ).

وكذلك المنافع ليست مُتَّحدةً، فلا يمكن أن تصنع من الشعير ما تصنعه من القمح، وربما تجد في الشعير ما لا تجده في القمح.

قوله: (أَصْلُهُ الفِضَّة، وَالذَّهَب، وَسَائِرُ الأشْيَاءِ المُخْتَلِفَةِ فِي الاسْمِ وَالمَنْفَعَةِ).

فهذا له فوائد، وهذا له فوائد، وتعلمون أن الشعيرَ له فوائدُ صحيَّةٌ ليست موجودةً في القمح، والقمح من أجود أنواع الأطعمة التي تُؤْكل.

قوله: (وَأَمَّا عُمْدَةُ مَالِكٍ، فَإِنَّهُ عَمَلُ سَلَفِهِ بِالمَدِينَةِ) (٤).


(١) أخرجه أبو داود (٣٣٤٩) وغيره، وصَحَّحه الأَلْبَانيُّ في "صحيح الجامع" (٣٤٤٣).
(٢) الحديث أخرجه مسلم فقط من طريقين؛ الأول: (١٥٨٧/ ٨١) من حديث عبادة - رضي الله عنه -.
والثاني (١٥٨٤/ ٨٢) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
(٣) "شرح النووي على مسلم" (١١/ ٢٠).
(٤) "شرح تنقيح الفصول" للقرافي (ص ٣٣٤) قال: "وإجماع أهل المدينة عند مالكٍ فيما طريقه التوقيف حجة خلافًا للجميع".

<<  <  ج: ص:  >  >>