"قَوله: (أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ أَشْيَاءَ مُتَشَابِهَةٍ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قَانُونٌ يَعْمَلُ عَلَيْهِ فِي تَمْيِيزِهَا إِلَّا مَا يُعْطِيهِ بَادِئُ النَّظَرِ فِي الحَالِ، جَاوَبَ فِيهَا بِجَوَابَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ)، الإنسان يُسْأل عن قضية ليست عنده فيها أصول ثابتة مستقرة يرجع إليها، فعليه أن يردَّ هذا الفرع إلى الأصل، لكنه في هذه الحالة عنده بُعْدُ نظرٍ يفكر في المسألة التي يُفْتي فيها، وربما تكون فَتْواه مبنيةً على أسسٍ ثابتةٍ، وإنما مسائل اجتهادية، فبعد فترة يدقق النظر ويمعن، ربما يتغير نظره، وربما يقف على حجةٍ لأحد الأئمة، وربما يقف على دليلٍ كما رأينا في شأن الأئمة الأربعة رحمهم اللّه، بل قبلهم الصحابة، قد يقول أحدهم قولًا ثم يقول قولًا آخر، فليس ذلك تناقضًا، ولكنه يفتي في مسألةٍ، أو يُسأل عن أمرٍ يبدي فيه رأيًا، ثم بعد ذلك يسأل مرة أخرى، فيظهر له الحق، فيرجع عن ذلك القول.
أي: إذا جاء بعد ذلك التلاميذ أو مَنْ بعده، ثم وقفوا على عدَّة أقوالٍ لهذا الإمام أو العالِم، فَصَعب عليهم فَهْم ذلك، فلا بدَّ من دراسة هذه الأقوال، والتدقيق فيها، ومحاولة معرفة علل تلك الأحكام، وإرجاع أصولها لعلَّة يترجح عندها قولٌ من تلك الأقوال إنْ كان القول أو ذاك له دليلٌ، فربما كان الأمر فيه أيسر وأسهل، لكن إذا كان الدليل عقليًّا وليس نقليًّا، فَهُو يحتاج إلى إمعان النظر أكثر، وتدقيق هذا هو ما يشير إليه المؤلف.