للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الزَّمان ليس كزماننا هذا، فقد تغيرت الأحوال بحمد الله تعالى، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يُصيبهم الجوع، وكم مرت من الأيام التي يربطون الأحزمة على بطونهم، ويضعون الحصى ليخففوا آلامه، وقد كان يصيبهم التعب والنصب نتيجة الجوع، أمَّا الآن فالناس تصيبهم الأمراض بسبب كثرة الأكل، لكنهم مع تلكم القلة ومع الكفاف كانوا شاكرين لله، وربما يمر الشهر الكامل من الهلال إلى الهلال ولا يوجد في بيت آل محمد - صلى الله عليه وسلم - إلَّا الأسودان؛ الماء والتمر، لا يوجد اللحم بأنواعه، ولا الفاكهة، ولا غيرها، ومع ذلك كان عليه الصلاة والسلام يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، فيقال له: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، كما قال الله تعالى في سورة الفتح: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّر}، فكان جوابه - صلى الله عليه وسلم -: "أفلا أكلون عبدًا شكورًا" (١).

هكذا يكون حال الشاكرينَ المطيعينَ للَّهِ سبحانه وتعالى، الذين يرجون جنة عرضها السماوات والأرض، أُعدت للذين آمنوا بالله ورسله، وأعدت للذين يُنفقون في السراءِ والضراءِ، والكاظمينَ الغيظَ، والعافينَ عن الناسِ، واللهُ يُحبُّ المحسنين، هكذا كان الصالحون في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبعده، وإلى يومنا هذا، فهناك أناس باعوا الفانية بالباقية، فكم من أناس طلقوا الدنيا، واشتغلوا بأمور الآخرة، وانصرفوا عنها؛ لأنَّهم يرجون الثواب والجزاء من الله سبحانه وتعالى، وذلك دليل على عظم ثقتهم باللّه سبحانه وتعالى، فهم يحسنون الظن بربهم، ويدركون أنَّ الله سبحانه وتعالى وعد المتقين الجنة، وأنَّه تعالى لا يُخلفُ الميعاد.

* قولُهُ: (وَهِيَ بَيْعُ مَجْهُولِ الْكَمِّيَّةِ بِمَجْهُولِ الْكَمِّيَّةِ، وَذَلِكَ إمَّا فِي الرِّبَوِيَّاتِ فَلِمَوْضِعِ التَّفَاضُلِ، وإمَّا فِي غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ فَلِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْقَدْرِ).

وقوله: (مجهول الكمية بمجهول الكمية)؛ لأنَّ الرطب هو تمر، ولكنه رطب، ولذلك سمي رطبًا، ولو أخذه صاحبه ووضعه في مكان في الشمس، أو في غيرها وجف فلا يبقى كما كان، وإن وزنته ستجد أنَّه


(١) أخرجه البخاري (١١٣٠)، ومسلم (٢٨١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>