للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (ومن باب الغبن والغش) لأن هذه العيوب لو أظهرت لأثرت في المبيع؛ ولذا لما مر النبي - صلى الله عليه وسلم - برجلٍ يبيع طعامًا فأدخل يده في الطعام وجد بللًا فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟ ". قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: "هَلَّا أظهرته حتى يراه الناس، مَن غشنا فليس منا" (١). وفي رواية: "من غش فليس منا" (٢)، إذًا العيب ينبغي أن يُظهر، ولا يجوز أن يُكتم.

لكن ذكر أهل العلم أن البائع إذا اشترط البراءة وهو لا يعلم فإنه يكون بذلك معذورًا؛ لكن لا يشترط البراءة وهو يعلم أن بالمبيع عيبًا وإنما أخفاه مستغلًّا حاجة المشتري أو غفلته أو قلة خبرته (٣)؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "أن رجلًا ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يخدع في البيع، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا بايعت فقل: لا خلابة" فكان الرجل إذا بايع يقول: لاخلابة" (٤).

* قوله: (وَلِذَلِكَ اشْتَرَطَ مَالِكٌ جَهْلَ الْبَائِعِ) (٥).


(١) هذه الرواية التي ذكرها الشارح، أخرجها ابن حبان (١١/ ٢٧٠) عن أبي هريرة: أن النبي مرَّ على صبرة طعام، فأدخل أصابعه فيها، فإذا فيه بلل، فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟ ". قال: أصابته سماء يا رسول الله. قال: "فهَلَّا جعلتَه فوق الطعام حتى يراه الناس، من غشنا فليس منا". وصححه الألباني في "التعليقات الحسان" (٤٨٨٥).
وأخرجه مسلم (١٠٢) بلفظ: قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما هذا يا صاحب الطعام؟ ". قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: "أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، مَن غش فليس مني".
(٢) أخرجها الترمذي (١٣١٥)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (١٧٦٥).
(٣) روي مثل هذا عن مالك في مسألة البيع بشرط البراءة. يُنظر: "المعونة على مذهب عالم المدينة " للقاضي عبد الوهاب (ص ١٠٦٦) حيث قال: "روي عنه أنه جائز ويبرأ من كل عيب لم يعلمه، ولا يبرأ مما علمه وكتمه واشترط البراءة منه، وهذا في الرقيق دون غيره من الحيوان والعروض، وهذه الرواية هي المعتبرة وعليها النظر".
(٤) أخرجه البخاري (٢٤٠٧)، ومسلم (١٥٣٣).
(٥) يُنظر: "المنتقى شرح الموطأ" للباجي (٤/ ١٨٠) حيث قال: "ولا يبرأ البائع بالبراءة مما علم من العيوب، وهذا أحد قولي الشافعي، وقال أبو حنيفة: يبرأ من ذلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>