للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونقل عن الأصم وابن عُليَّة أنهما خالفا في ذلك بدعوى أن الإجارة فيها غَررٌ، ولا عبرة بخلافهما، فالأصمُّ هو عبد الرحمن بن كيسان الأصم شيخ المعتزلة، وابن عُليَّة فهو معروفٌ أيضًا بشذوذه ومخالفته الإجماع، ثم إنَّ الإجماع قد انعقد قبل خلافهما.

قوله: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}، فيه أن أبواب الإجارة واسعة، فيجوز استئجار الآدمي والدواب والآلات.

(وَحَدِيثُ جَابِرٍ: "أَنَّهُ بَاعَ مِنَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بَعِيرًا، وَشَرَطَ ظَهْرَهُ إِلَى المَدِينَةِ" (١)، وَمَا جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالشَّرْطِ، جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالأجْرِ).

وقد سبق ذكر هذا الحديث في كتاب البيوع، وبيان مذاهب العلماء في مسألة جواز البيع مع شرط.

قوله: (وَمَا جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالشَّرْطِ، جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالْأَجْرِ)، أي: أنَّ ما جاز شرطه في البيع، جاز في الإجارة أيضًا.

قوله: (وَشُبْهَةُ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ: أَنَّ المُعَاوَضَاتِ إِنَّمَا يُسْتَحَقُّ فِيهَا تَسْلِيمُ الثَّمَنِ بِتَسْلِيمِ العَيْنِ كَالحَالِ فِي الأَعْيَان المَحْسُوسَةِ، وَالمَنَافِعُ فِي الإِجَارَاتِ فِي وَقْتِ العَقْدِ مَعْدُومَةٌ، فَكَانَ ذَلِكَ غَرَرًا، وَمِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ).

(تَسْلِيمُ الثَّمَنِ بِتَسْلِيمِ العَيْنِ) أي: خذ وهات، وهذا غير متحققٍ في الإجارة.

ويُرد على أصحاب هذا القول بأن الشريعة أباحت بيع السلم، إذ قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، فوجد الناس يُسْلفون في الثمار السنتين والثلاثة، فقال: "مَنْ أسلف في شيءٍ، فليسلف في كيلٍ معلومٍ ووزنٍ معلومٍ إلى أجلٍ


(١) أخرجه البخاري (٢٧١٨)، ومسلم (٧١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>