للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَحَلَّ اسْتِيفَاءِ المَنَافِعِ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الإِجَارَةِ، وَإِنْ عُيِّنَ فَذَلِكَ كَالوَصْفِ لَا يَنْفَسِخُ بِبَيْعِهِ أَوْ ذَهَابِهِ، بِخِلَافِ العَيْنِ المُسْتَأْجَرَةِ إِذَا تَلفَتْ، قَالَ: وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا، أَوْ خِيَاطَةِ قَمِيصٍ بِعَيْنِهِ، فَتَهْلِكَ الغَنَمُ وَيَحْتَرِقَ الثَّوْبُ فَلَا يَنْفَسِخُ العَقْدُ، وَعَلَى المُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْتِيَ بِغَنَمٍ مِثْلِهَا لِيَرْعَاهَا، أَوْ قَمِيصٍ مِثْلِهِ لِيَخِيطَهُ) (١).

مثال ذلك: إذا استُؤجر إنسانٌ لرعاية الغنم وحصل شيء، فلا يخلو: إما أن يقصِّر أو لا؛ لأنه لو كان راعيًا على غنم وأهملها، وجاء الذئب وأكل شيئًا منها يكون مقصِّرًا، وهذا الذي يخيط الثوبَ ويريد أن يكويَه، فيتساهل في كَيِّه فيحرقه أو جزءًا منه، فهذا مهملٌ وهو مسؤول عن ذلك؛ كما سيأتي في الضمان.

وسيأتي الكلام في الأجير المشترك والأجير الخاص، وهما يختلف حالهما؛ فالأجير المشترك ضامن إلا أن لا يكون مفرِّطًا، أما الأجير الخاص فلا يضمن.

قوله: (قَالَ: وقَدْ قِيلَ إِنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَيَنْفَسِخُ العَقْدُ بِتَلَفِ المَحلِّ. وَقَالَ بَعْضُ المُتَأَخِّرِينَ: إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ اخْتِلَافًا فِي المَذْهَبِ؛ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ المَحِلُّ المُعَيَّنُ لِاسْتِيفَاءِ المَنَافِعِ مِمَّا تُقْصَدُ عَيْنُهُ، أَوْ مِمَّا لَا تُقْصَدُ عَيْنُهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا تُقْصَدُ عَيْنُهُ انْفَسَخَتِ الإِجَارَةُ؛ كَالظِّئْرِ إِذَا مَاتَ الطِّفْلُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْصَدُ عَيْنُهُ


(١) يُنظر: "المعونة" للقاضي عبد الوهاب (ص ١١٠٠)، حيث قال: "الظاهر من مذاهب أصحابنا: أن استيفاء المنافع لا يتعين في الإجارة، وإنه إن عين فذلك كالوصف لا ينفسخ العقد بتلفه بخلاف العين المستأجرة إذا تلفت، وذلك كما يستأجر على رعاية غنم بأعيانها، أو خياطة قميص بعينه، فتهلك الغنم ويحترق الثوب، فلا ينفسخ العقد وعلى المستأجر أن يأتيه بغنم مثلها ليرعاه أو قميص مثله ليخيطه".

<<  <  ج: ص:  >  >>