للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا نجاسة بول الآدمي، وقد شنع العلماء عليه، واعتبروا رأيه هذا ضعيفًا وشاذًّا، وقد نقل عنه ابن حزم في "المحلى"، وأعتقد أن المؤلف سيأتي بعد ذلك ويعرض ويفصل القول في كل هذا إن شاء الله.

وَباختصار، أُبَيِّن دليل الذين قالوا بأن بول ما يؤكَل لحمُهُ ليس بنَجَسٍ، وهو قصَّة الذين قَدِمُوا من عقل أو عرينة، والذين اجتووا المدينة، ومَرِضُوا فيها، فأمرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يلحقوا بإبل الصَّدقة، ويشربوا مِن ألبانها وأبوالها (١)، لكنهم بعد أن قدم لهم هذا الفضل العظيم نكصوا على أعقابهم، فقتلوا راعي الإبل، وساقوا الإبل، وأيضًا ما فعلوه مِنَ القتل وسمل (٢) عينيه، ولذلك أرسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في طلبهم، فجيء بهم، فأنزل بهم ما يستحقُّونه من العقوبة.

إذًا، هذا دليل للذين يقولون بأن أبوال ما يؤكل لحمه طاهرة، لأنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يشربوا من أبوالها.

وَالَّذين يُعَارضون فيقولون بأن هذا إنما كان للعلاج، وكل ما هو نجس يجوز العلاج به في مذهبهم إلا الخمر، فإنَّه لا يُتَداوى بها، لأنه ورد التنصيص على ذلك: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" (٣)،


= ونحوه -أكل لحمه أو لم يؤكل- فهو طاهر، حاشا بول الإنسان ونجوه فقط فهُمَا نجسان".
(١) تقدم تخريجه.
(٢) "السمل": أن تفقأ العين بحديدة محماة أو بغير ذلك. انظر: "غريب الحديث" للقاسم بن سلام (١/ ١٧٣).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٩/ ٢٥٠) عن ابن مسعود موقوفًا، وإسناده صحيح. وأخرج ابن حبان في "صحيحه" مرفوعًا (٤/ ٢٣٣) عن حسان بن مخارق، قال: قالت أم سلمة: اشتكت ابنةً لى، فنبذت لها في كوز، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يغلي، فقال: "ما هذا؟ "، فقالت: إن ابنتي اشتكت، فنبذنا لها هذا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام"، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٥/ ٨٦)، وقال: رواه أبو يعلى والطبراني، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح، خلا حسان بن مخارق، وقد وثَّقه ابن حبان، وصَحَّحه الأَلبَانيُّ بالشواهد في "السلسلة الصحيحة" (١٦٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>