للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منه إلا أنْ أخَذ خشبةً فنقرها، أي: حفرها، ثم وضع فيها الألف دينار، ووضع مع ذلك صحيفة أي: رسالة، ثم أغلقها، واختلف العلماء (١) فى كيفية إغلاقها، ثم وضعها في البحر، واتجه إلى الله -سبحانه وتعالى- يدعوه وقال: إنُّ فلانًا طلب مني شهودًا فقلت: كفى بالله شهيدًا، وسألني أن آتي له بكفيل فقلت: كفى بالله كفيلًا، فصدقني فأسألك يارب أن توصلها إليه، أو كلمة نحو ذلك، أو كما قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (٢)، فذهبت الخشبة، فَخَرج صاحب الحق إلى البحر ينظر إلى البحر لعلها تأتي سفينة وعليها مَنْ عليه الدين، فوجد الخشبة فأخذها ليوقد عليها النار -وفي بعض الرِّوايات: أنه نشرها. وفي بعض الروايات: إن أهله كسروها- فتناثرت الدنانير، ووجد الرسالة، فأدرك حقيقة الأمر، فوجد الرجل المدين مركبًا، فركب وجاء ومعه ألف دينار أخرى، فجاء إلى الرجل فقال له: هل وصلك ما أرسلت إليك؟ فقال: لا أخبرك حتى تخبرني بحقيقة الأمر، فقص عليه القصة، فقال: لقد أدى الله -سبحانه وتعالى- عنك أمانتك، فما كان منه إلا أن عاد وترك له الألف دينار الأخرى".

هذه القصة ذكَرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ليترتب عليها شيء من الأحكام، ولكنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان كثيرًا ما يذكر أصحابه، وكان يعظهم ويوجههم، ويبين لهم ما يفيدهم في أمور دينهم ودنياهم، وبخاصَّةٍ ما يتعلق بأمور الآخرة، والرسول - صلى الله عليه وسلم - ذكر هذا للاتعاظ والاعتبار، وهذا حديث صحيح، فهي قضية ذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهي في "صحيح البخاري"، وعند


(١) ما ورد في الحديث أنه زجج موضعه، قال العيني في "عمدة القاري" (٩/ ٨٩): "ثم زجج موضعها، أي: أصلح موضع النقرة وسواه، قيل: لعله من تزجيج الحواجب وهو التقاط زوائد الشعر الخارج عن الخدين، وإن أخذ من الزج وهو سنان الرمح فيكون النقر قد وقع في طرف من الخشبة فسد عليه رجاء أن يمسكه ويحفظ ما في بطنه ".
(٢) نص قوله: "فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانًا ألف دينار، فسألني كفيلًا، فقلت: كفى بالله كفيلًا، فرضي بك، وسألني شهيدًا، فقلت: كفى بالله شهيدا، فرضي بك، وأني جهدت أن أجد مركبًا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ".

<<  <  ج: ص:  >  >>