للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة" (١).

و"فرسن الشاة" هو (٢): عَظْم صغير عليه جزء قليل من اللحم، أي: لا تحتقر أن تهدي إلى جارتها شيئًا حتى وإن كانت تراه شيئًا يسيرًا، وكذلك ينبغي للمُهدى إليه أن لا يحتقر الهدية (٣)، ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تهادوا تحابوا" (٤)؛ لأن في الهدية تقريبًا للنفوس، وتقوية للمحبة والمودة بين الناس، وهي لا تختص بأن تكون من الغني إلى الفقير أو من الأكثر مالًا، فهي وإن كانت من الفقير إلى الغنيِّ تجد نفس الغنيِّ تنشرح لذلك وتطمئن، فهي تَبُثُّ الوُدَّ والمحبة بين المؤمنين، وَتُقوِّي الصلة، وتُعمِّق الروابط بينهم، ولقد أَهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأُهدي إليه أيضًا، ولذلك صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت ولو أهدي إليّ ذراع أو كراع لقبلت" (٥).

فذراع الضأن كان من أحبِّ اللحم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أما الكراع فلا فائدة فيه ومع ذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت "، وهذا يدلُّ على تواضعه - صلى الله عليه وسلم -، وأنه يُبادر إلى إجابة دعوة أخيه المسلم، وأنه يقصد بذلك تطييب المؤمن وبثِّ الراحة في نفسه، وفيه إشارة إلى ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كرم الخلق، من التواضع، والرضا بالقليل، والحلم، والبعد عن كل ما يتعلق بشئون هذه الحياة، وأنه


(١) أخرجه البخاري (٢٥٦٦)، ومسلم (١٠٣٠/ ٩٠).
(٢) "الفرسن ": عظم قليل اللحم، وهو خف البعير، كالحافر للدابة، وقد يستعار للشاة فيقال: فرسن شاة، والذي للشاة هو الظلف. انظر: "النهاية" لابن الأثير (٣/ ٤٢٩).
(٣) قال ابن حجر في "فتح الباري" (٥/ ١٩٨): أي لا تمنع جارة من الهدية لجارتها الموجود عندها لاستقلاله، بل ينبغي أن تجود لها بما تيسر، وإن كان قليلًا فهو خير من العدم، وذكر الفرسن على سبيل المبالغة، ويحتمل أن يكون النهي إنما وقع للمهدى إليها، وأنها لا تحتقر ما يهدى إليها ولو كان قليلًا، وحمله على الأعمِّ من ذلك أولى.
(٤) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (٥٩٤)، وحسنه الألباني في "الإرواء" (١٦٠١).
(٥) أخرجه البخاري (٢٥٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>