التبعيض، يعني: أن يعتق الإنسان بعضًا من مملوكه، وهذا العتق إن كان هذا الذي أعتق نصيبه غنيًّا يَسري إليه ويؤدي النصف الآخر مثلًا لشريكه ويصبح ذلك حرًّا، ثم بعد ذلك إلى (الكتابة)، وهي خطوة طيبة وطريق إلى الحرية؛ إذا فتح السيد لمملوكه مُقابل عِوَض على أقساط أو نُجُوم أن يدفعها إلى السيد مقابل أن يصبح حرًّا، والآن سينتقل إلى (التدبير)؛ لأنه يأتي في المرحلة الأخيرة، والتدبير وإن كان عتقًا كاملًا، لكن أَخَّره المؤلف؛ لأنه يأتي بعد الحياة، ولذلك ما معنى التدبير؟
التَّدبير: هو تَعليق السيد عتقَ عبده أو مملوكه بعد موته أو بموته، وسُمِّي تدبيرًا؛ لأنه يأتي بعد الوفاة (١)، والحياة تَسبق المَمات أو الوفاة؛ فسُمِّي تدبيرًا؛ لأن الحياة يأتى بعدها ودبرها الموت، ولذلك سُمَّيت تدبيرًا، كأن يقول له: أنت حُرٌّ دبر حياتي، أو أنت حر بعد مماتي، أو غير ذلك من العبارات التي يَذكرها الفقهاء، ويرون أن بعضَها صريح في التدبير، وبعضها غير صريح؛ لاحتمال أن يقصد به الوصية، ومهما كان؛ فالوصية والتدبير كل منهما عمل فيه خير، لكن الوصية - كما هو معلوم - جائز للإنسان أن يرجع فيها، أما التدبير فهو محل خلاف بين العلماء، هل له إذا دبر عتق عبده، يعني: جعله دبر حياته - هل له أن يرجع في ذلك أو لا؟ كل ذلك سيعرض له المؤلف إن شاء الله.
ذكر المؤلف أن النظر في التدبير قد يكون في الأركان، وقد يكون في الأحكام، وهذا التدبير الذي معنا هو أيضًا عمل جليل من الأعمال التي يتركها الإنسان بعد وفاته، فإذا علق عتق مملوكه بعد وفاته فإنه سيجد أثرَ ذلك في أُخراه، وهو أحوج ما يكون هناك، ولذلك سيأتي اختلاف العلماء في عِتق الصبي، يعني: في تدبير الصَّبي، الصبي هل له أن يدبر أو لا؟ سيأتي الكلام في ذلك أيضًا.