هذا رجوع من المؤلف رحمهُ اللهُ إلى تحرير مذاهب العلماء في أنواع القتل:
أما مالك رحمهُ اللهُ فعمدته في نفيه شبه العمد: أنه لا واسطة بين الخطأ والعمد، أي: بين أن يقصد القتل أو لا يقصده، واستدل على ذلك بظاهر قول الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} النساء: ٩٢]، ثم قال بعد ذلك:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا}[النساء: ٩٣] فذكر نوعين لا واسطة بينهما.
هذه من الأمور المغيبة، والناس يجكمون على الظاهر، {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥)} [النمل: ٦٥]، {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩)} [الأنعام: ٥٩]، فالله سبحانهُ وتعالى وحده عالم الغيب، وأما ما يطلع عليه أحد من خلقه؛ مثل إطلاع الرسل على بعض الغيب؛ فذلك مما يطلعهم الله سبحانهُ وتعالى عليه، كما جاء ذكر ذلك في كتاب الله عزَّ وجلَّ: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦)} [الجن: ٢٦]، فإن الله سبحانهُ وتعالى يطلع رسله على بعض أمور الغيب عن طريق الوحي، ولذلك لما قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمر؛ فقال -عليه الصلاه والسلام-: "أيها الناس؛ إنكم تختصمون إليَّ، ولعل أحدكم يكون ألحن بحجته من الآخر -يعني: يكون إنسان صاحب حجة، صاحب عارضة، قوي العارضة، قوي البرهان، فربما بقوة بلاغته يستطيع أن يضرب عن طريق الحجة في ظهر صاحبه، وذاك لا يستطيع أن يؤدي ما في نفسه -لعل يكون أحدكما ألحن