للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- قوله: (وَعُمْدَتُهُمْ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- قَالَ: "لَا تُقَامُ الحُدُودُ فِي المَسَاجِدِ، وَلَا يُقْتَلُ الوَالِدُ بِالوَلَدِ") (١).

والمَعْنى: لا يقتص والد بقتل ولده، بَلْ عليه الدية، وهذا الحديث حُجَّةٌ على مالك، وإن كان المراد عدم قتل الوالد بجناية ولده، ولأن الوالد سببٌ لوجوده، فلا يحسن أن يكون الولد سببًا لعدمه.

- قوله: (وَعُمْدَةُ مَالِكٍ عُمُومُ القِصَاصِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ مَا رَوَوْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يُقَالُ لَهُ: قَتَادَةُ، حَذَفَ ابْنًا لَهُ بِالسَّيْفِ فَأَصَابَ سَاقَهُ، فَنُزِفَ جُرْحُهُ فَمَاتَ، فَقَدِمَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اعْدُدْ عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ حَتَّى أُقْدم عَلَيْكَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ عُمَرُ، أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً، وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ أَخو المَقْتُولِ، فَقَالَ: هأَنذَا، قَالَ: خُذْهَا، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ" (٢)، فَإِنَّ مَالِكًا حَمَلَ هَذَا الحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَمْدًا مَحْضًا، وَأَثْبَتَ مِنْهُ شِبْهَ العَمْدِ فِيمَا بَيْنَ الِابْنِ وَالأَبِ، وَأَمَّا الجُمْهُورُ فَحَمَلُوهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّهُ عَمْدٌ لِإِجْمَاعِهِمْ أَنَّ مَنْ حَذَفَ آخَرَ بِسَيْفٍ فَقَتَلَهُ فَهُوَ عَمْا، وَأَمَّا مَالِكٌ فَرَأَى لِمَا لِلْأَبِ مِنَ التَّسَلُّطِ عَلَى تَأْدِيبِ ابْنِهِ، وَمِنَ المَحَبَّةِ لَهُ أَنْ حَمَلَ القَتْلَ الَّذِي يَكُونُ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الأحْوَالِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِعَمْدٍ، وَلَمْ يَتَّهِمْهُ إِذْ كَانَ لَيْسَ بِقَتْلِ غِيلَةٍ، فَإِنَّمَا يُحْمَلُ فَاعِلُهُ


(١) أخرجه الترمذي (١٤٠١)، وصححه الأَلْبَانيُّ في "إرواء الغليل" تحت حديث (٢٢١٥).
(٢) أخْرجه مالك في "الموطإ" (٢/ ٨٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>