للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى الحاكم، وإذا رفعه ثم عفا؛ كما لو ادَّعى بأنه قذفه ثم قال: أنا أخطأتُ ولم يقذفني.

فالحقوق تنقسم أقسامًا ثلاثة: فهناك حقوق خاصة لله -سبحانه وتعالى-، لا يجوز أن يشركه معه غيره فيها، ويأتي في مقدمة ذلك العبادة؛ فالعبادة حق لله لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سأل معاذًا، قال: "أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ "، قال: "الله ورسوله أعلم"، قال: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا" (١)، وهذا هو الذي الْتقت حوله دعوة الرسل منذ نوح -عليه السلام- حتى محمد - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)} [الأنبياء: ٢٥]، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦]، فهذا حق خالص لله -سبحانه وتعالى-، وهناك من الحقوق ما هو مشترك بين الخالق والمخلوق، والله -سبحانه وتعالى- يعفو عن حقوقه بالتوبة، ولكن الآدمي قد لا تكفيه التوبة وحدها؛ لأنه ربما يكون هذا المعتدي قد أخذ حقًّا للمخلوق وربما آذاه بكلام جرحه بسبٍّ وغيره، فلا بد أن يرد حقه إليه وأن يطلب منه العفو، أما الله -سبحانه وتعالى- قد قال: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (٨٢)} [طه: ٨٢]، وقال: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: ٥٣]، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" (٢)، لكن حق الآدمي يختلف، فلا بد أن يطلب منه العفو قبل ألَّا يكون دينار ولا درهم؛ لأنه إذا لم يطلب العفو منه والسماح سيأتي يوم القيامة فيأخذ من حسناتك فتُعطى له، فإذا لم تكن هناك حسنات أُخذ من سيئاته فطُرحت عليها ثم يُلقى في النار، ومن هنا تبينَّا خطورة حق الآدمي، نعم حق الله عظيم ويجب أن يخلص الإنسان لله، لكن هناك ما يعرف بالتوبة، فإذا أقلع الإنسان ورجع وتاب توبةً نصوحًا وندم على ما مضى فالله -سبحانه وتعالى- يفرح


(١) أخرجه البخاري (٢٨٥٦)، ومسلم (٣٠).
(٢) أخرجه ابن ماجه (٤٢٥٠) وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (٣١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>