للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: "لَا يَجُوزُ". وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة (١): "يَجُوزُ إِذَا وَافَقَ حُكْمُهُ حُكْمَ قَاضِي البَلَدِ").

قَدْ مرَّ بنا حديث شريح بن هانئ أنه لمَّا وفد إلى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - مع قومه، سمعهم يكنونه بأبي الحكم، فدعاه رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن اللّه هو الحكم، وإليه الحكم، فلم تكنى أبا الحكم؟ "، فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيءٍ أتوني، فَحَكمتُ بينهم، فَرَضي كلا الفريقين، فَقَالَ رَسُولُ اللّه - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أحْسَنَ هذَا" فما لَكَ من الوَلد؟ قال: لي شريح ومسلم وعبد اللّه. قال: "فمَنْ أكْبَرهم؟ قلت: شريح. قال: "فأنتَ أبو شُرَيح" (٢)، فهذا دليل على أنه إذا رَضي اثنَان أن يحكم بينهما شخصٌ، فإنَّ حكمه يكون ملزمًا، وبه قال مالكٌ (٣)، وأحمد (٤) رحمهما اللّه، وهناك مَنْ يقول: لا يكون ملزمًا، وبه قال الشافعي (٥) - رَحِمَهُ اللّه -.


= في أحد القولين: لا يلزم الحكم إِلَّا بتراضيهما بعد الحكم، وهو قول المزني رحمه اللّه تعالى؛ لأنَّا لو ألزمناهما حكمه، كان ذلك عزلًا للقضاة، وافتياتًا على الإمام، ولأنه لما اعتبر تراضيهما في الحكم، اعتبر رضاهما في لزوم الحكم. والثاني: أنه يلزم بنفس الحكم".
(١) يُنظر: "الاختيار لتعليل المختار" لابن مودود الموصلي (٢/ ٩٤) حيث قال: "حكما رجلًا ليحكم بينهما جاز … ويشترط أن يكون من أهل القضاء، وله أن يسمع البينة، ويقضي بالنكول والإقرار، فإذا حكم لزمهما، ولكل واحد منهما الرجوع قبل الحكم، وإنْ رفع حكمه إلى قاضٍ أمضاه إن وافق مذهبه، وأبطله إن خالفه".
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.
(٤) يُنظر: "المغني" لابن قدامة (١٠/ ٩٤) حيث قال: "وإذا تحاكم رجلان إلى رجلٍ، حكماه بينهما ورضياه، وكان ممن يصلح للقضاء، فحكم بينهما، جاز ذلك، ونفذ حكمه عليهما".
(٥) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>