للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمعنى أنه لو جاء شاهدان فقالا بأن فلانًا طلق فلانة، وهو لم يطلقها، وحكم القاضي بعد أن لم يجد ما يقدح في عدالتهما - بالطلاق، فجماهير العلماء - ومنهم الأئمة الثلاثة؛ مالك والشافعي وأحمد - يقولون: ذلك لا يغير من الحكم شيئًا، وهناك من يقول بأنه لو حكم فتزوجها أحد الشاهدين، لكان ذلك إحلالًا، حتى وإن كان الشاهد يُعلم أن شهادته باطلة، ويستدلون بأثر عليٍّ - رضي الله عنه - عندما جاء رجلان فقالا: "فلانة زوجة فلان". شهد بأنها زوجة فلان، وهي ليست زوجته، فلما خرجت قالت: "يا أمير المؤمنين، لو عقدت لي لا أحل له؛ فلست زوجة له". قال: "زوّجاك شاهداك، شاهداك زوجاك" (١).

الحديث الذي مر معنا آنفًا نص في أن حكم الحاكم لا يغير شيئًا، وجمهور العلماء أجابوا عن قضية عليٍّ بأمور، هي:

أولًا: هذا قول صحابي، وذاك قول الرسول، فلا يُقدّم على قول الرسول قول أحد.

ثانيًا: لو صح قول عليٍّ، فإن حكم عليٍّ لم يحل ما في الباطن، وإنما قال: "شاهداك زوجاك". إذًا أنا حكمت بوجود شاهدين، ولا أرى مطعنًا فيهما، فبذلك حكمت عليك. لكنه حكم بعلمه، وحكم عليٍّ لم يكن هو الذي أحل، ولكن قال: "شاهداك زوجا "، وما قال: أحلاك.

قوله: (أَنَّهُ حَقٌّ وَلَيْسَ بِحَقٍّ).


(١) لم أجد الأثر في كتب الآثار.
وقد ذكره ابن حجر في الفتح (٣/ ١٧٦)، وذكر أنه لم يثبت عن عليٍّ.
وقال ابن أبي العز في "التنبيه على مشكلات الهداية" (٣/ ١٢٠٩): "هذا الأثر لم يثبت، فلا حاجة إلى الاشتغال برد الاستدلال به إِلَّا بعد ثبوته، وعلى تقدير ثبوته، لا حجة فيه، فإنه أضاف التزويج إلى شهادة الشاهدين، لا إلى حكمه، ولم يجبها إلى التزويج؛ لأن فيه طعنًا على الشهود". وانظر: "المغني" (١٤/ ٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>