للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في أوّل وقتها متحقق بالنسبة إلى فعل كل واحدة منهما في أوّل وقتها.

كما كان ديدنه حتى قالت عائشة: "ما صلى صلاة لآخر وقتها مرّتين حتى قبضه الله تعالى" (١).

ولا يشكّ منصف أن فعل الصلاتين دفعة والخروج إليهما مرّة أخفّ من خلافه وأيسر.

وبهذا يندفع ما قاله الحافظ في الفتح (٢): أن قوله : "لئلا تحرج أمتي" يقدح في حمله على الجمع الصوري؛ لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج.

فإن قلت: الجمع الصوري هو فعل لكل واحدة من الصلاتين المجموعتين

في وقتها فلا يكون رخصة بل عزيمة، فأيّ فائدة في قوله : "لئلا تحرج أمتي" مع شمول الأحاديث المعينة للوقت للجمع الصوري، وهل حمل الجمع على ما شملته أحاديث التوقيت إلا من باب الاطراح لفائدته وإلغاء مضمونه.

قلت: لا شك أن الأقوال الصادرة منه شاملة للجمع الصوري كما ذكرت، فلا يصحّ أن يكون رفع الحرج منسوبًا إليها بل هو منسوب إلى الأفعال ليس إلا لما عرّفناك من أنه ما صلى صلاة لآخر وقتها مرّتين، فربما ظنّ ظانّ أن فعل الصلاة في أوّل وقتها متحتم لملازمته لذلك طول عمره، فكان في جمعه جمعًا صوريًا تخفيف وتسهيل على من اقتدى بمجرّد الفعل.

وقد كان اقتداء الصحابة بالأفعال أكثر منه بالأقوال، ولهذا امتنع الصحابة من نحر بدنهم يوم الحديبية بعد أن أمرهم بالنحر حتى دخل على أم سلمة مغمومًا، فأشارت عليه بأن ينحر ويدعو الحلاق يحلق له ففعل، فنحروا أجمع (٣) وكادوا يهلكون غمًا من شدّة تراكم بعضهم على بعض حال الحلق.


(١) أخرجه الترمذي في سننه رقم (١٧٤) وقال: حديث حسن غريب. وهو حديث حسن والله أعلم.
(٢) في "الفتح" (٢/ ٢٤ - ٢٥).
(٣) يشير المؤلف إِلى الحديث الذي أخرجه البخاري (٢٧٣١) و (٢٧٣٢) وابن حبان في صحيحه رقم (٤٨٧٢) والطبراني في الكبير (ج ٢ رقم ١٣) والبيهقي في السنن =

<<  <  ج: ص:  >  >>