للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو لا يعلم بواطن الأمور، وقد سبق الكلام أن قضاء القاضي لا يحل الأمور في بواطنها، وإنما هو حلال في الظاهر، فهو يحكم لهذا بحكم، ويحكم لهذا بحكم، وإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أقضي على نحو مما أسمع" ويقول: "لعل أحدكم يكون ألحن بحجته من بعض؛ فأقضي على نحو مما أسمع" ثم يحذر: "فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا، فإنما أقطع له قطعة من نار، فليأخذها أو فليدعها" (١).

وهو بذلك يُشرع الأحكام، ويبين المنهج الذي يسر عليه القضاة، وأن القاضي إذا حكم بحكم، أو حكم الحاكم بأمر، وكان يعلم المحكوم له أن ما يأخذه باطل، وأنه حق لأخيه المسلم، فإنه بذلك سيسأل عنه يوم القيامة؛ لأنه بذلك أكل حق أخيه بغير حق، والله حذر من ذلك وقال: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: ٢٩].

* قوله: (إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ. وَاخْتَلَفُوا إِذَا كَانَ فِي المَسْأَلَةِ خِلَافٌ، فَقَالَ قَوْمٌ (٢): لَا يُرَدُّ حُكْمُهُ إِذَا لَمْ يَخْرِقِ الإِجْمَاعَ).


(١) تقدم تخريجه.
(٢) مذهب الحنفية، يُنظر: "فتح القدير" لابن الهمام (٧/ ٣٠٠)، حيث قال: "واذا رفع إلى القاضي حكم حاكم أمضاه إلا أن يخالف الكتاب أو السنة المشهورة (أو الإجماع بأن يكون قولًا لا دليل عليه) ".
ومذهب الشافعية، يُنظر: "نهاية المحتاج" للرملي (٨/ ٢٥٨)، حيث قال: " (وإذا) (حكم باجتهاده) وهو من أهله أو باجتهاد مقلده (ثم بأن) كون ما حكم به (خلاف نص الكتاب أو السنة (المتواترة أو الآحاد (أو) بأن خلاف (الإجماع) ومنه ما خالف شرط الواقف (أو) خلاف (قياس جلي) وهو ما يعم الأولى والمساوي. وقال القرافي: أو خالف القواعد الكلية. قال الحنفية: أو كان حكمًا لا دليل عليه، أي: قطعًا، فلا نظر لما بنوه على ذلك من النقض في مسائل كثيرة قال بها غيرهم بأدلة عندهم. قال السبكي: أو خالف المذاهب الأربعة؛ لأنها كالمخالف للإجماع (نقضه) ".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (٦/ ٣٢٦)؛ حيث قال: " (فإن كان) من قبله (ممن يصلح للقضاء) لم يجز أن ينقض من أحكامه شيئًا؛ لأنه يؤدي إلى نقض الحكم بمثله، ويؤدي إلى أنه لا يثبت حكم أصلًا (إلا ما يخالف نص=

<<  <  ج: ص:  >  >>