الفريق الآخر من أهل العلم يقولون:"لا .. هذه فتوى من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وليست قضاءً؛ لأن المحكوم عليه إنما هو موجود، ولو كان قضاءً لطلبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسأله عن التقصير، ثم أمره بأن يؤدي الحق؛ لأن النفقة - كما هو معلوم - واجبة، مما يجب على الزوج تجاه زوجته، ولذلك لما خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس في حجة الوداع قال: "استوصوا بالنساء خيرًا؛ أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" (١).
إذًا الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيّن ذلك، وكذلك جاء في القرآن.
هذا قد بيَّنته من قبل، ومعلوم أن الشاهدين عندما يأتيان عند القاضي، فليس أمام القاضي إلا أن يطلب من يزكيهما، ويشهد بأنهما عدلان، هذه هي مهمة القاضي، ولكن لا يعلم ما في قلوبهم، قد يكون من الشاهدين شاهد زور، والقاضي لا يعلم ذلك .. جاء اثنان فعدلهما، فشهادة الشاهدين مظنونة، ونحن عندنا يقين، وعندنا ظن، وعندنا شك، وعندنا ما هو دون الشك، إذًا هنا ظن، والظن يرتفع عن الشك أو الوهم، لكن ذلك أمر ليس مقطوعًا به، لكن علم القاضي إذا شاهد شيئًا أو تحقق منه هو مقطوع به، ومع ذلك يحكم بالشهادة، فهؤلاء العلماء قالوا: "إذا كان يحكم بشهادة الشاهدين، فالأحرى والأولى أن يحكم بعلمه؛ لأنه قد تحقق من ذلك به ".
(١) أخرجه مسلم (١٢١٨) عن جابر، وفيه: " … فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف … ". الحديث.