للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (وَخَصَّصَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ مَا يَحْكُمُ فِيهِ الحَاكِمُ بِعِلْمِهِ، فَقَالُوا: لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الحُدُودِ، وَيَقْضِي فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَخَصَّصَ أَيْضًا أَبُو حَنِيفَةَ (١) العِلْمَ الَّذِي يَقْضِي بِهِ، فَقَالَ: يَقْضِي بِعِلْمِهِ الَّذِي عَلِمَهُ فِي القَضَاءِ، وَلَا يَقْضِي بِمَا عَلِمَهُ قَبْلَ القَضَاءِ).

لماذا؟

قالوا: "لأن الشهادة التي علمها قبل القضاء لا يحكم بها، فكذلك علمه قبل الحكم فيقاس عليها". يعني: اعتبروا الشهادة الأصل، والحكم بالعلم مقيسًا عليه، مع أن هذا أقوى؛ لأنه حقيقة وهي ظن، ولكن هكذا دائمًا في مثل هذه الأمور يؤخذ بالحيطة؛ حتى لا يلحق القاضي - كما ذكر المؤلف، وذكر غيره - في قضائه التهمة والشك؛ لأنه ربما يكون نسف حكم شهادة الشاهدين، وحكم بعلمه، فيكون له غرض وهوى، إلى آخره.

* قوله: (وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى بِعِلْمِهِ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ) (٢).


(١) يُنظر: "الدر المختار وحاشية ابن عابدين" (٥/ ٤٣٩)؛ حيث قال: "فلو علم قبل القضاء في حقوق العباد، ثم ولي، فرفعت إليه تلك الحادثة، أو علمها في حال قضائه في غير مصره، ثم دخله فرفعت لا يقضي عنده، أي: أبو حنيفة، وقالا - أي: الصاحبان: يقضي. وكذا الخلاف لو علم بها وهو قاضٍ في مصره، ثم عزل ثم أعيد".
(٢) يُنظر: "التمهيد" لابن عبد البر (٢٢/ ٢١٨)؛ حيث قال: "من حجج أن يقضي القاضي بعلمه ما رويناه من طرق عن عروة عن مجاهد جميعًا بمعنى واحد: أن رجلًا من بني مخزوم استعدى عمر بن الخطاب على أبي سفيان ابن حرب أنه ظلمه حدًّا في موضع كذا وكذا من مكة، فقال عمر: إني لأعلم الناس بذلك، وربما لعبت أنا وأنت فيه ونحن غلمان، فإذا قدمت مكة فائتني بأبي سفيان. فلما قدم مكة أتاه المخزومي بأبي سفيان، فقال له عمر: يا أبا سفيان، انهض إلى موضع كذا. فنهض، ونظر عمر فقال: يا أبا سفيان، خذ هذا الحجر من هاهنا فضعه هاهنا. فقال: والله لا أفعل. فقال: والله لتفعلن. فقال: لا أفعل. فعلاه عمر بالدرة، وقال: خذه. لا أم لك وضعه هاهنا، فإنك ما علمت قديم الظلم، فأخذ الحجر أبو سفيان، ووضعه حيث=

<<  <  ج: ص:  >  >>