للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا" (١)، ومن يظلم في هذه الدنيا فسيحاسب على ظلمه لا شكَّ، وفي الحديث: "المُقْسِطُونَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ" (٢).

فما هضمهم الله سبحانه وتعالى من حقِّهم شيئًا، وما بخسهم، بل وفَّاهم بذلك؛ فهو يجازي الناس على عملهم، ولا يظلمهم، ثم أجابهم: "فَهُوَ فَضْلِي أُوتيهِ مَنْ أَشَاءُ".

ومثله: حديث "ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ" (٣).

فقد نجد رجلين من الصالحين، هذا يعمل صالحًا، وهذا يعمل صالحًا، لكن يعطي الله مِبئنهَ الأولَ مالًا، فينفق منه آناء الليل وأطراف النهار" فتزداد حسناته وترتفع درجاته عن الآخر، وهذا أيضا من فضل الله سبحانه وتعالى على خلقه.

ثم إن العبرة ليست بكثرة العمل، وإنما بتحسين هذا وتقديمه كما أراد طالبه، قال الله: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: ٢] فقد يعمل الإنسان أعمالًا كثيرة، ولكن لا يقبلُ الله منها إلا القليل، لأن صاحبها غير محسن في أكثرها (٤)؛ فقد يختلف الناس في الصلاة بين خاشع، وغافل؛ والخشوعِ في الصلاة علامة ثبات القلب؛ ولذا قال سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ لما رَأَى رَجُلَا يَعْبَثُ بِلِحْيَتِهِ فِي الصَّلَاةِ: "إِنّي لَأَرَى هَذَا لَوْ خَشَعَ قَلْبُهُ خَشَعَتْ جَوَارِحُهُ" (٥)؛ فكلما خشع في الصلاة ازداد تواضعًا ووقارًا وأجرًا وقُربًا


(١) هذا جزء من حديث طويل أخرجه مسلم (٢٥٧٧/ ٥٥) عن أبي ذر.
(٢) أخرجه مسلم (١٨٢٧/ ١٨) عن عبد الله بن عمرو يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا".
(٣) هذا جزء من حديث أخرجه مسلم (١٠٠٦/ ٥٣) عن أبي ذر.
(٤) قال وهيب بن الورد: "لا يكن همّ أحدكم في كثرة العمل، وليكن همه في إحكامه وتحسينه؛ فإن العبد قد يصلي وهو يعصي الله في صلاته". يُنظر: "صفة الصفوة" لابن الجوزي (١/ ٤٢٢).
(٥) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٢/ ٢٦٦) وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>