لأن هذه الشريعة قامت أصلًا على مصدرين لا ينضبان، لا ينتهيان؛ كتاب الله عزَّ وجلَّ، هذا الكتاب العظيم الذي جعله الله تعالى تبيانًا لكل شيء، والذي جعله الله سبحانه وتعالى قطب هذه الشريعة الذي تدور عليه، والذي نزله على محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ ليحكم بين الناس فيما جاء به هذا الكتاب.
هذا الكتاب العظيم الذي جعله الله سبحانه وتعالى كتاب هداية وكتاب توجيه وإرشاد، هذا الكتاب الذي أخذ بأيدي العرب رعاة الشاة والغنم، فأصبحوا سادة العالم وقادتهم، هذا القرآن العظيم الذي حول حالهم من الذل إلى العزة، ومن الوضاعة إلى الرفعة والمجد، فكانوا بعد ذلك سادة العالم وقادتهم.
هذا الكتاب الذي تركه فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع سنته، وقال:"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا".
هذا الكتاب العظيم الذي ما تمسك المسلمون به في عصر من العصور، ولا في دهر من الدهور، ولا في عهد من العهود، إلا كانت لهم العزة، وكانت لهم المكانة، وكان لهم الظفر، وصاروا حيث لا تفل قناتهم، ولا يهزم جمعهم.
ولكن كلما تخلى المسلمون عن هذا الكتاب، أو تباعدوا عنه، أو ضعف تعلقهم بأهدابه، ضعفت أيضًا قيمتهم، وهانوا في أعين الناس، وتساهلوا في أمرهم، وكانت لهم الذلة والمهانة.
إذًا عزة المؤمنين إنما هي بالكتاب العزيز؛ فقد أعز الله المؤمنين الأولين حين بُعِث محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وحيدًا في أمة مشركة تخضع وتذل وتستكين وتسجد للأشجار والأوثان والحجارة، ثم أخذوا يستلون تلك