للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجلس القضاء. ولما خصه شريح بمكان خاص، ماذا قال علي - رضي الله عنه -؟

قال: "لو كان خصمي مسلمًا لما جلست هذا المجلس". يعنى: لجلست أنا وهو سيان، وهذا أيضًا ما أنكره عمر - رضي الله عنه - عندما أراد زيد أن يجلسه في مجلسه، فقال له: "لا، سوِّ بين الخصمين".

إذًا جلس علي عند القاضي شريح، فقضى لليهودي؛ لأن عليًّا - رضي الله عنه - كان يحتاج إلى بينة يثبت بها أن الدرع درعه.

الشاهد هنا: أنه إذا كانت الخصومة بين مسلم وذمي، فإنه يقضى بينهما، أي: قضاء الإسلام بلا خلاف. المسألة الأُخرى: أن يقع الخلاف بين الذمي والذمي، أي: تقع خصومة بين الذميين، فإذا ما رفعوا ذلك إلى القضاء الإسلامي، فهل يحكم بينهما؟ بمعنى: هل الحاكم مخير أو يجب عليه أن يحكم؟

الأقوال في ذلك ثلاثة أشار إليها المؤلف، وسنعلق عليها فيما يأتي إن شاء اللّه.

*قوله: (أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَقْضِي بَيْنَهُمْ إِذَا تَرَافَعُوا إِلَيْهِ بِحُكْمِ المُسْلِمِينَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ) (١).

إذًاا لقول الأول: إذا ترافعوا طالبين الحكم من المسلمين، فإنه يقضى بينهم، هذا هو الأول، وبه قال أبو حنيفة.

* قوله: (وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ) (٢).


(١) يُنظر: "المبسوط" للسرخسي (٥/ ٣٩)؛ حيث قال: "فإذا ترافعوا أو أسلموا، وجب الحكم فيهم بما هو حكم الإسلام".
(٢) يُنظر: "المدونة" لسحنون (٤/ ١٨٩)؛ حيث قال: "سمعت مالكًا، وسأله رجل عن الحكم بين النصارى، فقال: يقول اللّه تبارك وتعالى في كتابه في الحكم بين النصارى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: ٤٢]. قال: والترك أحب إليَّ، فإن حكم حكم بالعدل".

<<  <  ج: ص:  >  >>