للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا شك بأن من يعدل عن الكتاب العزيز وعن سنة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -، فيطلب الحكم في غيرهما، فإنه ينطبق عليه قول اللّه تعالى الآتي: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠)} [المائدة: ٥٠].

ويقول اللّه تعالى السورة نفسها: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: ٤٨]. وفي سورة أُخرى يقول: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: ١٣].

* قوله: (وَرَأَى أَنَّ هَذَا نَاسِخٌ لِآيَةِ التَّخْيِيرِ) (١).

يعني: منهم من يرى أن الآية الدالة على الوجوب ناسخة لآية التخيير، وهي قوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}؛ فيقولون: وقع النسخ بين آيتين من السورة نفسها.

* قوله: (وَأَمَّا مَنْ رَأَى وُجُوبَ الحُكْمِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَتَرَافَعُوا، فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ. إِذَا سَرَقَ قُطِعَتْ يَدُهُ (٢)).


(١) يُنظر: "الفصول في الأصول" للجصاص (٢/ ٢٧٨)؛ حيث قال: "وأما كل حكمين لا يصحٍ مجيء التعبد بهما في حال واحدة لشخص واحد، فإن الثاني منهما يكون ناسخا للأول إذا ورد بعد استقرار حكمه، وذلك نحو قوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ} [المائدة: ٤٢] متى استقر هذا الحكم، ثم قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: ٤٩]، فأوجب ذلك نسخ التخيير المذكور فيه؛ إذ لا يصح اجتماعهما في حاله واحدة، ألا ترى أنه لا يصح أن يقول: قد خيرتك بين الحكم والإعراض، ومع ذلك فاحكم بينهم مت غير إعراض؛ لأن اللفظ يتناقض به ويستحيل معناه".
(٢) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٧/ ٥٣٧)؛ حيث قال: "ولم يختلف العلماء فيمن أخرج الشيء المسروق من حرزه سارقًا له، وبلغ المقدار الذي تقطع فيه يده أن عليه القطع، حرّا كان أو عبدًا، ذكرًا كان أو أنثى، مسلمًا كان أو ذميًّا؛ لأن العبد الآبق إذا سرق اختلف السلف في قطعه، ولم يختلف أئمة فقهاء الأمصار في ذلك، والحمد للّه". =

<<  <  ج: ص:  >  >>