للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تمسك الجمهور بظاهر نص الحديث، وفيه: "البيِّنة على المدعي، واليمين على المدعى عليه".

إذًا على المدعى عليه اليمين، ليس في الحديث أن يأتي بشاهد، ولكن مالك - رَحِمَةُ اللَّهُ - والمالكية يأخذون بما يعرف بالاستصلاح، أو ما يعرف بالمصالح المرسلة (١)، يتوسعون فيها أكثر من غيرهم، وإن كثيرًا من الأحكام في هذا الزمان مرتبطة بالمصالح المرسلة - والمصلحة المرسلة معتبرة - أو الاستصلاح، ما لم تتعارض مع نص من نصوص الكتاب والسُّنة، فإذا كان الأمر كذلك، فإنه يعمل بها، وفي ذلك خير؛ لأن هذه الشريعة قامت على أمور؛ منها أنها قامت على التيسير، وقامت على مراعاة مصالح الناس، فالمصالح المرسلة يقصد بها ما يتعلق بمصلحة الناس، والشريعة دائمًا تراعي مصلحة المجتمع، وتقدمها على مصلحة الفرد.

* قوله: (وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَجِبُ اليَمِينُ إِلَّا بِالمُخَالَطَةِ (٢)، وَقَالَ بِهَا السَّبْعَةُ مِنْ فُقَهَاءِ المَدِينَةِ (٣)، وَعُمْدَةُ مَنْ قَالَ بِهَا النَّظَرُ إِلَى المَصْلَحَةِ).


(١) يُنظر: "الذخيرة" للقرافي (١/ ١٥٠)؛ حيث قال: "والمصالح بالإضافة إلى شهادة الشرع لها بالاعتبار على ثلاثة أقسام ما شهد الشرع باعتباره وهو القياس الذي تقدم، وما شهد الشرع بعدم اعتباره نحو المنع من زراعة العنب؛ لئلا يعصر منه الخمر، وما لم يشهد له باعتبار ولا بإلغاء وهو المصلحة المرسلة، وهي عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - حجة".
(٢) يُنظر: "الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي" (٤/ ١٤٥)؛ حيث قال: " (إن) أثبت المدعي أنه (خالطه بدين) ولو مرة، أي: أن بينهما خلطة (أو تكرر بيع) بالنقد الحال، (وإن) كان ثبوت الخلطة (بشهادة امرأة)؛ لأن القصد من الخُلطة اللَّطْخ، وهو يثبت بشهادة الواحد ولو أنثى (لا ببينة جرحت)، أي: جرحها المدعى عليه بعداوة ونحوها حين شهدت بأصل الدين، ولا تكون كالمرأة في ثبوت الخلطة، فتوجب توجه اليمين".
(٣) يُنظر: "المدونة" لسحنون (٤/ ٣٧)؛ حيث قال: "وإن عمر بن عبد العزيز لم يكن يحلف من أدعي عليه، إِلَّا أن تكون خلطة، وذكر ابن أبي الزناد عن أبيه عن السبعة مع مشيخة سواهم من نظرائهم، وربما اختلفوا في الشيء، فأخذ يقول أكثرهم: إنهم كانوا يقولون: لا نعلق اليمين، إِلَّا أن تكون خلطة".

<<  <  ج: ص:  >  >>