للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (فَإِنْ كانَتِ في الذِّمَّةِ، فَادَّعَى المُدَّعَى عَلَيْهِ البَرَاءَةَ مِنْ تِلْكَ الدَّعْوَى، وَأَنَّ لَهُ بَيِّنَةً سُمِعَتْ مِنْهُ بَيِّنتُهُ بِاتِّفَاقٍ) (١).

يعني إذا ادَّعى إنسان على آخر بأدن له حقًّا عنده، فأقام المدعى عليه بيِّنة تثبت براءته، وهذا قد يحدث، فإن بعض الناس قد يدعى أمرًا ليس ظلمًا منه ولا تعديًا، فقد يدعي أمرًا على رجل ويكون لهذا الرجل حق عنده كذلك، وربما يكون له حق عنده، فوفاه إياه، فنسيه، فيدعي على حسب ما يذكر أنه له حقًّا.

والنسيان يصيب كل إنسان، والرسول - صلى الله عليه وسلم - ذكر أن آدم نسي، فنسيت ذريته، أخطأ آدم؛ فأخطأت ذريته؛ لأنه أدخل الجنة، فأغواه إبليس هو وزوجه، أمره اللّه تعالى ألا يقرب هذه الشجرة، ثم أغواهما الشيطان حتى أكلا منها، لكنهما تابا وأنابا وعادا إلى اللّه - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -.

نسي آدم فنسيت ذريته، ولذلك لما رأى آدم داود - عليه السلام - سأل ربه: "كم جعلت عمره؟ "، قال: "ستين سنة". وآدم له من العمر الكثير، قال: "أعطيه من عمري أربعين سنة". فلما جاء ملك الموت ليقبضه قال: "بقي من عمري أربعون". نسي.


(١) مذهب الحنفية، يُنظر: "الدر المختار وحاشية ابن عابدين" (٥/ ٥٤٨)؛ حيث قال: "رجل ادعى على رجل: أنه كان لأبي عليك مائة دينار، وقد مات أبي قبل استيفاء شيء منها، وصارت ميراثًا لي بموته، وطالبه بتسليم المائة دينار فقال المدعى عليه: قد كان لأبيك عليّ مائة دينار، إِلَّا أنني أديت منها ثمانين دينارًا إلى أبيك في حياته، وقد أقرِّ أبوك بالقبض ببلدة سمرقند في بيتي في يوم كذا بألفاظ فارسية. وأقام على ذلك بينة. فقال المدعي للمدعى عليه: إنك مبطل في دعواك إقرار أبي بقبض ثمانين دينارًا منك، لما أن أبي كان غائبًا عن بلدة سمرقند في اليوم الذي ادعيت إقراره فيه وكان ببلدة كبيرة، وأقام على ذلك بينة. هل تندفع بينة المدعى عليه ببينة المدعي؟ فقيل: لا، إِلَّا أن تكون غيبة أبي المدعي عن سمرقند في اليوم الذي شهد شهود المدعى عليه على إقراره بالاستيفاء بسمرقند، وكونه ببلدة كبيرة ظاهرًا مستفيضًا يعرفه كل صغير وكبير، وكل عالم وجاهل، فحينئذ القاضي يدفع ببينته بينة المدعى عليه".

<<  <  ج: ص:  >  >>