للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا مَتَى يَقْضِي القَاضِي؟ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَشْغُولَ النَّفْسِ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَا يَقْضِي القَاضِي حِينَ يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ").

هذا حديث متفق عليه (١)، ورواه كذلك الإمام أحمد (٢)، وغيره (٣)، ولفظه عند البخاري: "لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان" (٤).

والعلماء ألحقوا بالغضب ما يشبهه.

ومراد العلماء بما يشبه الغضب: ألا يكون القاضي بين اثنين يحكم وهو يعاني من جوع مفرط، أو يكون في حال من شدة العطش، أو يسيطر عليه الهم، أو يكون في غم أو حزن، أو يكون بحيث يدافع الأخبثين - أي: البول والغائط - أو يكون لديه أمر يشغله ويشغل باله، فكل هذا مما يشبه الغضب في الأثر.

قالوا: "لأن المطلوب هو أن يستحضر عقله وفكره وقلبه، حتى يكون حكمه صافيًا، لأنه إذا وجد ما يشوش عليه قد يؤثر على الحكم".

وليست المسألة أيضًا متفقًا عليها، وإنما الخلاف واقع هنا فيما يتعلق بنفاذ الحكم.

يعني لو قدر أنه قضى وهو غضبان، أو في شدة الجوع، أو في هم، أو في غير ذلك مما مضى ذكره وسبق بيانه، هل ينفذ حكمه أو لا؟ هذه مسألة اختلف فيها العلماء:

١ - ذهبت الشافعية (٥) وبعض الحنابلة إلى أنه ينفذ.


(١) أخرجه البخاري (٧١٥٨)، ومسلم (١٧١٧).
(٢) حديث (٢٠٤٦٧).
(٣) أخرجه أبو داود (٣٥٨٩)، والترمذي (١٣٣٤)، والنسائي (٨/ ٢٣٧)، وابن ماجه (٢٣١٦).
(٤) هذا اللفظ أخرجه مسلم (١٧١٧)، وليس البخاري.
(٥) يُنظر: "بحر المذهب" للروياني (١١/ ٧٤)؛ حيث قال: " قال الشافعي - رضي الله عنه -: وكل شيء يحدث في الإنسان ما يغير فهمه وخُلقه كالجوع الشديد، والعطش، والفرح =

<<  <  ج: ص:  >  >>