للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - ذهب بعض العلماء - وهي رواية للحنابلة كذلك - إلى أنه لا ينفذ (١)؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان". فهذا نهي، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه.

* قوله: (وَمِثْلُ هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَكُونَ عَطْشَانَ).

ليس هذا عند مالك وحده، بل عند الأئمة جميعهم (٢) - رحمهم اللّه - كلهم يرون ألا يكون عطشه شديدًا، بحيث يكون له تأثير على قضائه، أما العطش اليسير فلا أثر له، وكذلك الجوع المفرط الذي يتألم منه الإنسان يصل إلى حد أن يشغل باله، وكذلك من يدافع الأخبثين، أن يكون معه بول شديد أو غائط يشغل باله، فلا يكاد يصفو عقله بتفكير،


= الشديد، والحر المزعج، والبرد المؤلم، والغم الشديد، وكان يدافع الأخبثين، أو حضره العشاء ونفسه تتوق إليه، أو غلبه النعاس؛ فكل هذا في معنى الغضب، فلا يقضي في هذه الأحوال، ولكن لو قضى فيها نفذ".
(١) يُنظر: "المغني" لابن قدامة (١٠/ ٤٥)؛ حيث قال: "وفي معنى الغضب: كل ما شغل فكره من الجوع المفرط، والعطش الشديد، والوجع المزعج، ومدافعة أحد الأخبثين، وشدة النعاس، والهم، والغم، والحزن، والفرح، فهذه كلها تمنع الحاكم؛ لأنها تمنع حضور القلب، واستيفاء الفكر، الذي يتوصل به إلى إصابة الحق في الغالب، فهي في معنى الغضب المنصوص عليه، فتجري مجرأه. فإن حكم في الغضب أو ما شاكله، فحكي عن القاضي، أنه لا ينفذ قضاؤه؛ لأنه منهي عنه، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه. وقال في "المجرد": ينفذ قضاؤه".
(٢) مذهب الحنفية، ينظر: "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" للكاساني (٧/ ٩)؛ حيث
قال: "ومنها: أن لا يكون جائعًا ولا عطشان ولا ممتلئًا؛ لأن هذه العوارض من القلق، والضجر والغضب، والجوع والعطش والامتلاء، مما يشغله عن الحق".
ومذهب الشافعية، يُنظر: "تحفة المحتاج" (١٠/ ١٣٥)؛ حيث قال: " (ويكره أن يقضي في حال غضب) لا لله تعالى (وجوع وشبع مفرطين، وكل حال يسوء خلقه) فيه؛ كمرض، ومدافعة حدث، وشدة حزن، أو خوف، أو هم، أو سرور؛ لصحة النهي عنه في الغضب. وقيس به الباقي".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "منتهى الإرادات" للبهوتي (٥/ ٢٧٢)؛ حيث قال: "والقضاء وهو غضبان كثيرًا، أو حاقن، أو في شدة جوع، أو عطش، أو هم، أو ملل، أو كسل، أو نعاس، أو برد مؤلم، أو حر مزعج".

<<  <  ج: ص:  >  >>