للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مات الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقيت له الشفاعة المحمودة التي يتخلى عنها الكل؛ إلا من رحم ربي، وورد في ذلك أحاديث الشفاعة.

يقول الله -سبحانه وتعالى- في شأن نبيه: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف: ١٨٨]، فلماذا إذن لا يتجه العباد إلى رب العباد؟ ولماذا لا يتجه المخلوق إلى خالق هذا الكون، ومدبره؟

ولا شك أن الصحابة - رضي الله عنهم - قد اختلفوا، فلما زالت الصدمة التي وقع فيها الصحابة؛ فلم يعهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أحد بالخلافة بعينه؛ لكن هناك قرائن، ودلالات فهم منها بعد ذلك عمر وغيره أنَّ أبا بكر أولى الناس بهذه الخلافة لما له من المزايا، ومن الفضائل؛ إذ قال الله تعالى في شأنه: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: ٤٠]، وهو الذي قال فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "سدوا عليَّ هذه الخوخة (١) إلا خوخة أبي بكر" (٢)، ثم قال: "مُرْنَ أبا بكر فليصل بالناس" (٣)، وكذلك مما دار في السقيفة (٤)، وما حصل فيها من اجتماع الأنصار، وما دار من كلام، وأراد عمر أن يتكلم متحمسًا؛ فأجلسه أبو بكر - رضي الله عنه -؛ وهذا احترام بين الصحابة جمٌّ؛ إذ كانوا يدركون قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أثر عائشة: "أمرنا أن ننزل الناس منازلهم" (٥)، قال عمر: "ما دفعني أن أتكلم إلا أنه دار بخاطري كلام كنت أخشى أن يفوتني وألا يدركهم أبو بكر". قال: "فقام أبو بكر فتكلم أبلغ ما يكون، وتكلم فيما


(١) "الخوخة": واحدة الخوخ. والخوخة أيضا: كوة في الجدار تؤدي الضوء. انظر: "الصحاح" للجوهري (١/ ٤٢٠).
(٢) أخرجه البخاري (٤٦٧)، ومسلم (٢٣٨٢).
(٣) أخرجه البخاري (٦٦٤)، ومسلم (٤١٨).
(٤) "سقيفة بني ساعدة": موضع بالمدينة، ظلة كانوا يجتمعون تحتها. انظر: "جمهرة اللغة" لابن دريد (٢/ ٨٤٧).
(٥) أخرجه أبو داود (٤٨٤٢)، وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (١٨٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>