للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شرحه الإمام القيم ابن القيم في كتابه المعروف: "كلام الموقعين، "الحق الحق فيما يعتلج في صدرك" (١)، فقد أدرك أن الله -سبحانه وتعالى- قد شرح صدر أبي بكر إلى الحق فقاموا، وقاتلوا المرتدين، ومانعي الزكاة فعادوا إلى حظيرة الإسلام.

فما أريد أن أنبِّه عليه: أن الصحابة اختلفوا في أول الأمر في قتال مانعي الزكاة؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا قالوها، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام" (٢)، فبسبب هذا الحديث نجد بعض الصحابة قالوا: كيف نقاتل مَن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول اللَّه؟! لكن في حديث آخر قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإذا قالوها؛ فقد عصموا مني دماءهم، وأموالهم" (٣)، فحصل الخلاف في أول الأمر في ذلك، وهناك عدة مسائل حصل فيها خلاف بين الصحابة - رضي الله عنهم - لكنهم انتهوا بعد ذلك إلى الإجماع، وهي قليلة، وهناك مسائل أُخرى اختلف فيه الصحابة، وظل الخلاف قائمًا لكن ذلك لم يؤدِّ إلى التباعد بينهم.

وعلى ما سبق فإن الخلاف الذي ورد ذمّه إنما هو الخلاف الذي ينتهي إلى تفريق كلمة المسلمين، وأيضًا الذي ينتهي إلى غير فائدة، أما الخلاف في مسائل العلم الذي يقصد منها الوصول إلى الحق والصلاح والإصلاح؛ فإنما ذلك أمر لا بد منه، وهو من الأمور التي سلكها العلماء، وساروا عليها.

وهذه الخلافات في جانب الشريعة، أما مسائل العقيدة فليست محلًّا للخلاف، وكذلك أيضًا قضايا العبادة؛ وأسباب الخلاف كثيرة جدًّا، وقد


(١) يُنظر: "إعلام الموقعين" لابن القيم (١/ ٦٧) وما بعده.
(٢) أخرجه البخاري (٢٥)، ومسلم (٢١).
(٣) تقدَّم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>