للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمين في غير هذه البلاد ألا وهو: ما يتعلَّق حقيقة بدعاء غير الله -سبحانه وتعالى، فربما يظن البعض أن بعض الصالحين إذا مات فإن من الخير له أن يذهب إلى قبره فيطلب منه أن يدعو له، أو أن يشفي لهم مريضًا، أو أن يرفع له كربًا، أو أن يرزقه، أو أن يخفف عنه ألمًا، أو أن يرفع ما حلَّ به من مشكلات.

ومثل هذه الأفعال شبيهة بأفعال المشركين، فهذا إنسان قد مات وأفضى إلى ربه، ولا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، والله -سبحانه وتعالى- يقول لنبيه: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعراف: ١٨٨]، وإذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يطلبون الشفاعة من الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقت حياته؛ فإنه كان قادرًا على دعاء الله -سبحانه وتعالى-؛ لكن بعد مماته ما اتَّجه الصحابة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو موجود بينهم في قبره، وإنما لما أجدبت الأرض طلبوا من العباس عمِّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو لهم (١)؛ فإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - وهو أفضل خلق الله -سبحانه وتعالى- - لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا حال موته فكيف بغيره؟ ويجوز لنا أن نسلم عليه عليه الصلاة والسلام؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- يرد عليه روحه فيرد علينا السلام؛ فما من أحد يسلم عليه إلا ردَّ الله عليَّ روحي فأردّ عليه السلام (٢)، وموته - صلى الله عليه وسلم - إنما هو موت برزخي (٣)، فلم يكن الآن في الحالة التي كان عليها قبل الموت، ولم تكن أيضًا حالته كحالة الشهداء؛ فهو فوق ذلك، لكنه ميِّت كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠)} [الزمر: ٣٠]، وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ


(١) أخرجه البخاري (١٠١٠) عن أنس بن مالك، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعمّ نبينا فاسقنا"، قال: فيسقون.
(٢) أخرجه أبو داود (٢٠٤١) عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام". وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (٥٦٧٩).
(٣) "البرزخ": الحائل بين الشيئين، ولقال: فلان في البرزخ، إذا مات كأنه بين الدنيا والآخرة. انظر: "جمهرة اللغة" لابن دريد (٢/ ١١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>