للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأذان أبي محذورة؛ لا يعتبر مخالفًا؛ لكن مِن العلماء (١) مَن اختار ورجح أذان بلال؛ وحجتهم في ذلك: أنه أُلقِيَ على بلال، وأقره رسول الله، وأذَّنَ به لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حضرًا وسفرًا في حياته، وكذلك استمر في عهد الخلفاء الراشدين، واشتهر ذلك بينهم.

ومنهم من رجَّح أذان أبي محذورة (٢)، وحجتهم في ذلك:

أنه جاء متأخِّرًا عن بلال؛ إذ إن أبا محذورة أسلم بعد فتح مكة (٣)، حتى إن بعضهم (٤) يقول: إن تعليم الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأبي محذورة الترجيع، والتكرار وهو أن يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله" مرتين بصوت منخفض، و"أشهد أن محمدًا رسول الله" مرتين ثم يرفع صوته بهما؛ لتثبيت عقيدة التوحيد في قلب أبي محذورة؛ لأنه قريب العهد بالإسلام فهو بحاجة إلى ذلك، وبعد أن علم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبا محذورة عاد بلال وأذن بعده بفتح مكة بنفس ألفاظ الأذان التي يؤذدن بها؛ ولذلك لا نجد الخلاف في هذه المسألة كثيرًا، وإنما الخلاف فيما هو الأولى، فلو أذن بالأذان الذي أخذ به المالكية أو الشافعية، أو الذي أخذ به الحنفية والحنابلة كان ذلك صحيحًا وثابتًا.


(١) وهم الحنفية، والحنابلة وتقدم مذهبهم.
(٢) وهم المالكية والشافعية.
(٣) يُنظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (٤/ ١٧٥٣) حيث قال: "وكان أبو محذورة مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة، أمره بالأذان بها منصرفه من حنين، وكان سمعه يحكي الأذان، فأمر أن يؤتى به، فاسلم يومئذ، وأمره بالأذان فأذن بين يديه، ثم أمره فانصرف إلى مكة، وأقره على الأذان بها".
(٤) قال القدوري في "التجريد" (ص ٤١٤) في سبب الترجيع: "لأنه أراد أن يتعود لفظ الشهادة، لأنه كان كافرًا، وكرر ذلك، فقد جرت عادة من يلقن غيره أن يردد عليه ما يلقنه ليحفظ، فلما حفظ أمره بإعادتها بصفتها"، وقال ابن قدامة في "المغني" (١/ ٢٩٤): "ويحتمل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أمر أبا محذورة بذكر الشهادتين سرًّا، ليحصل له الإخلاص بهما، فإن الإخلاص في الإسرار بهما أبلغ من قولهما إعلانًا للإعلام، وخصَّ أبا محذورة بذلك، لأنه لم يكن مقرًّا بهما حينئذ".

<<  <  ج: ص:  >  >>