للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه يعلم أن إصلاح السلطان، وباجتماع الكلمة عليه؛ فيه إصلاح للرعية فما بالك بأولئك الذين يقلقون الأمة، ويتكلمون بأمور لا تجد لها حقيقة، ولا صدقًا، فمسؤولية الأمة نحو واليها، وراعيها مسؤولية كبيرة، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قد حذَّر من المخالفة حتى بيَّن أنه لو ضُرِبَ ظهر المرء وأخذ ماله؛ فإنه يسمع ويطيع إذ يقول: "اسمعوا وأطيعوا وإن تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌّ" (١)، فالإمام أحمد كان على الحقِّ، وكان غيره على الباطل، ومع ذلك يُضرب في بعض الأحيان حتى يغيب عن الدنيا، وبعد ذلك ينطلق ما عليه من السراويل فإذا ما أفاق يُسأل عن ذلك فيقول: "لو كانت لي دعوة مستجابة لدعوتُ بها للسلطان".

هؤلاء الذين أدركوا الفقه غاية الإدراك، إذ عرفوا معنى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "مَن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" (٢)، فالفقه في الدين هو أن تدرك هذا الدين غاية الإدراك، وأن تعرف ما لك وما عليك، فللوالي واجبات ينبغي أن تؤديها نحوه، ومن هذه الواجبات بل في مقدماتها أن تدعو له بالصلاح، والتُّقى، وأن يرزقه الله البطانة الصالحة الذين يعينوه على الخير، وأن تذبَّ عنه، فقد عرف السابقون قيمة ومكانة اجتماع الكلمة وأنه بطاعة السلطان تجتمع الكلمة، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" (٣).

فيجب على المسلم أن يدعو لولاة الأمر، وأن يخلص لهم، وأن يناصحهم، فهذه من الأمور الطيبة التي رأيناها في كلِّ العصور السابقة؛ إذ


= الأولياء" (٨/ ٩١) للفضيل بن عياض قال: "لو أن لي دعوة مستجابة ما صيرتها إلا في الإمام"، ولم أقف عليه مسندًا للإمام أحمد.
(١) أخرجه مسلم (١٨٣٧).
(٢) أخرجه البخاري (٧١).
(٣) أخرجه البخاري (٢٩٥٥)، ومسلم (١٨٣٩) عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة".

<<  <  ج: ص:  >  >>