للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه تلاميذ كُثُر، وكتب مذهبه الجديد في مصر، وله مذهب قديم في العراق.

أما الإمام مالك (١) فهو إمام دار الهجرة، تابع التابعين المعروف الذي كانت تضرب إليه أكباد الإبل (٢).

وأما أبو حنيفة فهو العالم الجليل الذي عاش بالكوفة، وله مواقف جليلة، وأول ما بدأ تعلمه علم الكلام المعروف: بـ "علم التوحيد"، وكان يذهب من الكوفة إلى البصرة لينافح فرق المعتزلة.

أما الإمام أحمد فهو إمام دار السلام "بغداد"، ويكفيه من المواقف الجليلة موقفه العظيم في قضية (خلق القرآن) عندما ذبَّ عن كتاب الله -سبحانه وتعالى- ودافع عنه مع عدد من العلماء، وباع نفسه رخيصة في سبيل الله، ولذلك ضُرِب له المثل، فقيل: "أبو بكر يوم الردة، وأحمد يوم الفتة"، يعني: فتة خلق القرآن (٣).

وهكذا كان العلماء والعاملون يخلصون دينهم لله -سبحانه وتعالى-، ولم تكن دعوتهم وموافقهم لتنفير الناس، أو تفريق الكلمة، بل كان الإمام أحمد -رحمه الله - مثلًا في قضية خلق القرآن فقد أوذي وسُجن، وعُذِّب، ومع ذلك كان يقول: "لو كانت لي دعوة مستجابة لدعوت بها للسلطان" (٤)؛


(١) أخرجه الترمذي (٢٦٨٠) عن أبي هريرة: "يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدًا أعلم من عالم المدينة". وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (٤٨٣٣).
(٢) فلان تضرب إليه أكباد الإبل، أي: يرحل إليه في طلب العلم وغيره. انظر: "الصحاح" للجوهري (٢/ ٥٣٠).
(٣) ينسب هذا القول لعلي ابن المديني، أخرجه عنه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٥/ ٢٧٨) قال: "إن الله أعزَّ هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث: أبو بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة".
(٤) نسبها ابن تيمية للإمام أحمد والفضيل بن عياض في "مجموع الفتاوى" (٢٨/ ٣٩١) حيث قال: "ولهذا كان السلف - كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما - يقولون: لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان"، وأسنده أبو نعيم في "حلية =

<<  <  ج: ص:  >  >>