اللذين أتيا إليه، فألزمهما عن طريق اعترافهما، وَجَعلهما يعترفان بما وقعا فيه، وهكذا ينبغي لطالب العلم أن يجادلَ بالتي هي أحسن، يَعْني: أن يكون حكيمًا {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}[يوسف: ١٠٨]، والبصيرةُ أن يكونَ الإنسانُ عالمًا بما يتكلم به، وأن يكون أيضًا حكيمًا فيما يتكلم فيه، يَقُولُ سبحانه وتعالى:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران: ١٥٩]، ويقول الله تعالى في آخر سورة الأعراف: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)} [الأعراف: ١٩٩].
إذًا، " اليَدُ " جَاءَتْ مُجْملةً: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}، فَالَّذي حَدَّدها إنما هي سُنَّة الرسول عليه الصلاة والسلام " لأنه طبَّق ذَلكَ تطبيقًا عمليًّا، فإنه قطعَ اليد من المفصل، وسُنَّة الرسول قد تكون قولًا، وقد تكون فعلًا، وقد تكون تقريرًا.
{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}، الأَمْرُ بالنسبة للوجه واضحٌ، وهُوَ أن يأتي الإنسان ويمسح وجهه، لكن الوضوء بالنسبة لليدين إنما يغسلهما إلى المرفقين، فهل ما في التيمم هو كالذي في الوضوء؟ لا، ونعرف ذلك عن طريق سُنَّة الرسول عليه الصلاة والسلام، فالسُّنَّة هي لتي بَيَّنت وَحدَّدت لنا الموضعَ الذي يُنْتهى إليه في حالة غمس اليدين، ولَا يَقْصد أن يدخل الذراع، لَا، إنما القصد في ذلك الكفان " لأن الكفين هما اللذان يتوضأ بهما.
" فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ "، يَعْني: ليسَ لَه أن يَغْمِسَ هذه اليد الَّتي سيتوضَّأ بها، ونحن نعلم أن الإنسان يتناول وضوءه بيده اليُمْنى.
إذن، عَرَفنا أن المرادَ باليد إذا أُطْلقَتْ: الكف الذي يَنْتهي عند المفصل، لكنه إذا أُرِيدَ أكثر من ذلك، فإنه يُنَصُّ عليه، ولذلك نجد في قول الله سبحانه وتعالى:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}، فهنا لمَّا خَرَجت اليد عن المعروف، جاء تَقْييدها ووَصْفها بأنها إلى المرفقين، ولم تأتِ مطلقةً، وفعلُ الرسول - عليه الصلاة والسلام - جاء موافقًا لذلك.