للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمِنَ العُلَماء وهُمُ الأكثر: مَنْ يذهب إلى أن المضمضةَ والاستنشاقَ إنَّما هما سُنَّتان، وليستا بوَاجبَتَين، وأَصحَابُ هذا القول هم الحنفية والمالكية والشافعية، يذهبون إلى أنهما سُنَّةٌ، وفي هذا المقام ينبغي أن نُنَبِّه إلى أمرٍ مهمٍّ؛ وهو أن الحديث هنا عن المضمضة والاستنشاق في الوضوء، فلو خرجنا إلى الغسل لَوَجدنا أن الحنفيةَ ينفصلون عن المالكية والشافعية فيوجبونهما.

ولهذا الرأي أدلة، فهل هذه الأدلة محل تسليمٍ أو لا؟

يقولون: الله سبحانه وتعالى أمَرَ بأمورٍ أربعةٍ هي فرائض الوضوء، فقال: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}، ولم نجد في الآية ذِكْرًا للمضمضة والاستنشاق، فلو كانت المضمضة والاستنشاق واجبتين لذُكرتَا في الآية، لكنهما غير مَذْكُورَتين فيها، فدلَّ ذَلكَ على عدَم الوجوب.

قالوا: وأمَّا ما وَرَد في سُنَّة الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنها محمولةٌ على الاستحباب، ثم يُسْندون أو يُعضِّدون دليلهم الأول بقول الرسول - عليه الصلاة والسلام - لذلك الأعرابيِّ الذي لم يُحْسن صلاته، قال له: " توضَّأ كما أمَرك الله " (١)، فَقَالوا: ذَلكم الرَّجل في أمسِّ الحاجة لأنْ يعرف الوضوء، والوضوء شرطٌ من شرائط الصلاة، والرسول - عليه الصلاة والسلام - لم يَذْكر في هذا المقام الذي يحتاج إلى بيانٍ المضمضةَ والاستنشاقَ، بل ردَّ ذلك الرجل إلى الآية، فقال له: " تَوضَّأ كما أمَرك الله ". والله لم يَأمر في الآية بالمضمضة والاستنشاق. وعليه " فإنَّ المضمضة والاستنشاق ليستا وَاجبَتَين.

وبَعْضُهُم يضيف إلى ذَلكَ دليلًا آخر فيَقُول: ولأنَّ المضمضمة والاستنشاق ليستا محل اتفاقٍ بين العلماء على وجوبهما، بل أكثرهم يذهبون إلى عَدَم الوجوب، فعدمُ الاتفاق على وجوبهما دليلٌ على أنهما غير واجبتين.


(١) أخرجه أبو داود (٨٦١)، وحسَّنه لغيره الأرناؤوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>