للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن، يَتبيَّن لنا مِنْ هذا أن الأرض كلها مسجد، لكن متى أدركتك الصلاة فَصلِّ؛ هل يكون هذا على إطلاقه أو أن هناك أدلة أُخرى خصت مواضع بعَدَم الصلاة فيها كالمقبرة، والحمام، والمجزرة، والمزبلة، وقارعة الطريق التي يُسمِّيها بعض الفقهاء حجة الطريق، وسطح الكعبة، ومعاطن الإبل … ؟

الجواب: وَقَعَ خلافٌ بين العلماء، فمنهم مَنْ تمسك بهذا الحديث ورواياته الصحيحة، وهي كلها أدلة عامة على أن الأرض كلها مسجد، ومنهم مَنْ خصص مواضع بعدم الصلاة؛ لورود النهي عن ذلك.

وَسَوْف يعرض المؤلف لاحقًا كل هذا إن شاء الله، وهل كان النهي تعبديًا، والعبادة غير معقولة المعنى كالنية مثلًا؛ فلَا يُبْحث عن العلة، وسوف يأتي كل هذا.

والفقهاء أحيانًا يلتقون عند مسألةٍ على أنها عبادة توقيفية، أي: غير معقولة المعنى، وأحيانًا يقولون: مُعلَّلة المعنى، أَيْ: مُدرَكة، وأحيانًا يختلفون: منهم مَنْ يقول: معقولة، ومنهم مَن لا يقول (١)، ومن ذلك بعض المسائل التي معنا؛ باستثناء هذه المسائل السبع، سوى مسألة واحدة، وهي: الصلاة على بيت الله (الكعبة)، إذْ بقية المسائل في الجملة أكثر الفقهاء يعللون مَنْع الصلاة فيها لكونها مظنَّة النجاسة، أما بيت الله فلا (٢).


(١) انظر: "الموافقات"، للشاطبي (٢/ ٩ - ١٣)، وفيه قال: "وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معًا، وزعم الفخر الرازي أن أحكام الله ليست معللةً بعلة ألبتة، كما أن أفعاله كذلك، وأن المعتزلة اتفقت على أن أحكامه تعالى مُعلَّلة برعاية مصالح العباد، وأنه اختيار أكثر الفقهاء المتأخرين. والمعتمد إنَّما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وُضعَتْ لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه الرازي ولا غيره، وأما التعاليل لتفاصيل الأحكام في الكتاب والسُّنَّة، فأكثر من أن تُحْصى، كقوله بعد آية الوضوء: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ".
(٢) انظر: "القوانين الفقهية"، لابن جزي (ص ٣٨)، وفيه قال: "ونُهِيَ عن الصلاة في سبعة مواطن: المزبلة لقذرها، والمجزرة للدماس، والمقبرة. فقيل: على العموم،=

<<  <  ج: ص:  >  >>