للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (فَأَخَذَ بِالحَدِيثِ المَشْهُورِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "جُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا"، وَقَالَ: هَذَا نَاسِخٌ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ هِيَ فَضَائِلُ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ، وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ بِنَاءِ الخَاصِّ عَلَى العَامِّ، فَقَالَ: حَدِيثُ الإِبَاحَةِ عَامٌّ، وَحَدِيثُ النَّهْيِ خَاصٌّ، فَيَجِبُ أَنْ يُبْنَى الخَاصُّ عَلَى العَامِّ).

هَذِهِ المَسْألة الأُصُولية فيها خلافٌ، لكنه خلافٌ ضعيفٌ من حيث إبقاء العموم على عمومه، فيؤخذ به، ولا يُنْظر إلى الخاص، أو أنَّ العامَّ يخصَّص، كما أن المطلق يقيده المقيد؛ فالخلاف والنزاع عند ابن حزم، أما جماهير العلماء فيرون التخصيص (١).

قوله: (فَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنِ اسْتَثْنَى السَّبْعَةَ مَوَاضِعَ (٢)، وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَثْنَى الحَمَّامَ وَالمَقْبَرَةَ، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الثَّابِتُ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ).


(١) الظاهر أن ابن حزم خالف الجمهور في صورةٍ من صور التخصيص، وهو تخصيص العموم بالقياس، وإلا فهو يُوَافقهم في صوره الأخرى. انظر: "الإحكام في أصول الأحكام"، لابن حزم (١/ ٨١)، وفيه قال: "فأما وُجُوه البَيَان التي ذكرنا من التفسير والاستثناء والتخصيص، فقَدْ يَكُون بالقرآن للقرآن وبالحديث للقرآن، وبالإجماع للقرآن، وقَدْ يكون بالقرآن للحديث، وبالحديث للحديث، وبالإجماع المنقول للحديث".
وانظر نفيه للتخصيص بالقياس في: "الإحكام في أصول الأحكام"، لابن حزم (٣/ ١٥٢)، وفيه قال: "ومما تناقض فيه القائلون بتخصيص النصوص بالقياس أن قالوا بعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا … }، فقالوا: المدخول بها وغير المدخول بها سواء، ولم يقيسوا غير المدخول بها في الوفاة على غير المدخول بها في الطلاق كما قاس بعضهم الإحداد على المطلقة ثلاثًا على الإحداد على المتوفى عنها زوجها، فإن كان القياس حقًّا، فليستعملوه في كل مشتبهين، دان كان باطلًا فليجتنبوه".
(٢) أي: استثناهم من عموم الحلِّ، فقال بجواز الصلاة في كل مكانٍ إلا هذه المواضع، فهي خاصة من هذا العموم.

<<  <  ج: ص:  >  >>