مرَّ في أثناء كلامنا حديث:" وَبَالغ في الاستنشاق إلَّا أَنْ تكونَ صائمًا "، والحديث فيه الحضُّ على المُبَالغة في الاستنشاق، وفي حديثٍ آخر الحضُّ على المَضْمَضة والمبالغة فيها، ولا خلاف بين العلماء في أنه يُسْتحبُّ المُبَالغةُ في المضمضة والاستنشاق إلا للصَّائم، فلماذا مُنِعَ الصائم من ذلك؟ مُنِعَ خشيةَ أن يتسرب الماء إلى جوفه فيفطر؛ فهذه هي العلة.
وأَخَذ العلماءُ قاعدةً معروفةً من مثل هذا الحديث - وليس من هذا الحديث وحده - بل من عدة نُصُوصٍ، فَقَالوا:" دَرْءُ المَفَاسد مقدمٌ علَى جَلْب المَصَالح ".
فالمَضمَضَةُ والاستنشاقُ أُمِرْنَا بأن نبالغَ فيهما إلَّا أن يكونَ أحدُنَا صائمًا، فلا يفعل ذلك، والسَّبب: درءًا للمفسدة الَّتي هي أكبر من المصلحة، فالمبالغةُ مصلحةٌ، لكن المفسدة المُتَرتبة على ذلك أكبر، فيَنْبغي تَرْكها.
وكَأنَّ المؤلِّف يميل إلى أن المضمضة والاستنشاق غير واجبتين، ولذلك فصلهما عن الوجه، وبعض العلماء يُدْخلهما ضمن الحديث عن الوجه، فيَجْعلهما مقدمةً للحديث عنه، فهنا تكلم عن المضمضة والاستنشاق، ثم بعد ذلك انتقل إلى الوجه.
إذًا، لا خلَافَ بين العُلَماء - رَحمَهم الله تَعالَى - على أن غسلَ الوجه فرضٌ، بَلْ إنَّهمْ أَجْمَعوا على ذَلكَ، ودليل ذَلكَ أمورٌ ثلاثةٌ: