للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد اختلف العلماء (١) في هذه المسألة، مع أن الأولَى ألَّا يحصل فيها خلاف؛ لأن الذين يقولون بالاطمئنان يرون أنه ركن من أركان الصلاة، ومعنى كونه ركنًا أنَّ الصلاة إنْ فُقِدَ الاطمئنان في ركوعها وسجودها، فسدت، ومَن يرى أنهما ليسا بركنين؛ فإنه يرى صحة الصلاة، بل إن من هؤلاء من قال: "لو حط من الركوع إلى السجود لصحت صلاته"، واستدلوا بأن اللَّه تعالى قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: ٧٧]، فاللَّه سبحانه وتعالى أمر بالركوع والسجود، ولم يأمر بالاطمئنان فيهما؛ فعدوا هذا دليلًا على أن الواجب هو الركوع والسجود، فمن قام وركع ورفع وسجد ورفع كل هذا مسرعًا؛ يكون قد أدى الواجب؛ لأنه أدى أقل ما يسمونه واجب!

لكن جمهور العلماء ردوا عليهم بأنها دعوى غير مسلَّمة؛ لأنه ورد نصٌّ عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- صريح في ذلك، في حديث المسيء عندما قال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لذلك الرجل الذي صلى ثلاثًا، فبِمَا يحسن صلاته: "إذا قمت


(١) مذهب المالكية، يُنظر: "مواهب الجليل" للحطاب (١/ ٥٢٤) حيث قال: " (واعتدال على الأصح والأكثر على نفيه) ما عليه الأكثر هو الظاهر من مذهب المدونة، ومن كلام ابن بشير وغيره قال فيها في باب الصلاة في السفينة من كتاب الصلاة الثاني: وصلاتهم على ظهرها أفذاذًا أحب إلي من صلاتهم في جماعة منحنية رؤوسهم تحت سقفها، انتهى ابن بشير وهذا محمول على أن الانحناء كثير وأما لو كان يسيرًا لكان الجمع أولى؛ انتهى من كتاب الصلاة الثاني في آخر باب أحكام القصر من كتاب التنبيه له، وقال الشيخ أبو الحسن: وكذا أنحناء مثل السفينة".
مذهب الشافعية، يُنظر: "أسنى المطالب" لزكريا الأنصاري (١/ ١٥٨) حيث قال: " (ولو عجز الراكع عن الاعتدال سجد من ركوعه) وسقط الاعتدال لتعذره (فلو زال العذر قبل وضع جبهته) على مسجده (رجع إليه) أي إلى الاعتدال (أو) زال (بعده فلا) يرجع إليه بل يسقط عنه (فإن عاد) إليه (جاهلًا) بالتحريم ولو عامدًا (لم تبطل) صلاته وإلا بطلت".
مذهب الحنابلة، يُنظر: "المغني" لابن قدامة (١/ ٣٦٥) حيث قال: "فصل: وهذا الرفع والاعتدال عنه واجب، وبه قال الشافعي،. . . ولنا، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر به المسيء في صلاته، وداوم على فعله، فيدخل في عموم قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي"".

<<  <  ج: ص:  >  >>