للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهناك مسلك الترجيح، والترجيح ينبغي أن يُبنى على صحة الدليل، وأيضًا عدم تطرُّق الاحتمال إليه.

وهناك مذهب الجمع، والجمع بلا شك هو أولى هذه المرتبات؛ لأننا عندما نجمع بين الأدلة لا بد من الأخذ بمجموعها، وعندما نرجح بعضها على بعض فلا ينبغي أن نرجح إلا أن يكون سبب الرجحان ظاهرًا، ويكون هذا الرأي دليله قويًّا، وأن يكون صحيحًا وأن لا يكون المخالف أقوى دلالةً منه.

* قوله: (أَمَّا مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ؛ فَإِنَّهُ أَخَذَ بِعُمُومِ قَوْلِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "لَا تُصَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ" (١)).

هذا الحديث مطلق وعام، فهل المراد به ألا يصلي الإنسان الفريضة ثم يكررها مرة أُخرى، أو المراد أن يصلي الفريضة ثم يعيدها مع جماعة، وينوي الفريضة مرة أُخرى؟

كل ذلك محتمل؛ إذًا هذا الذي يتدارك إليه هذا الحديث، وليس


= سواء في باب وجوب الطاعة والاستعمال ولا فرق". اهـ. وانظر: "فتح الباري" لابن رجب (٥/ ٨٤).
وبصار إلى النسخ بأمارات عدة:
منها: أن يكون لفظ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مصرحًا به نحو قوله عليه السلام: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها". أو يكون لفظ الصحابي ناطقًا به، نحو حديث. . .: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرنا بالقيام في الجنازة ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس.
ومنها: أن يكون التاريخ معلومًا نحو ما رواه أبي بن كعب -رضي اللَّه عنه- قال: قلت: يا رسول اللَّه إذا جامع أحدنا فأكسل؟ فقال النبي: "يغسل ما مس المرأة منه، وليتوضأ ثم ليصل".
ومنها: أن تجتمع الأمة في حكمه على أنه منسوخ. وإن لم يمكن التمييز بينهما بأن أبهم التاريخ، وليس في اللفظ ما يدل عليه، وتعذر الجمع بينهما، فحينئذ يتعين المصير إلى الترجيح. انظر: "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" للحازمي (ص ٨ - ٩).
(١) تقدَّم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>