للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشاهد أنَّه اعتدَّ بهذا الصبي؛ لأنَّه لو لم يعتد به لوقف أنس إلى جنب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن يمينه ولم يعتد بهذا اليتيم، والمقصود باليتيم الذي مات والده ولم يَبلغ (١). إذًا هو صغير ومع ذلك قال: "فصففتُ أنا واليتيمُ خلفَه"، فدل ذلك على أنَّه مُعتبر، فاعتبر في إقامة الجماعة، واعتبر في الصف، قالوا: فهذا يدل على صحة صلاته، ومن صحت صلاته صحت إمامته (٢).

* قوله: (فَأَجَازَ ذَلِكَ قَوْمٌ (٣)؛ لِعُمُومِ هذا الأثر) (٤).

إذا كنا نقول: تصح إمامة الصغير، فليس معنى هذا أننا نُفضله على غيره، فإذا وجدنا القارئ فنقدم الأكبر؛ لأنَّ فيه الكمال، وهو مدرك، وقد نضج فكره، نعم قد نجد من بعض الصغار -كما عرفنا- من وهبهم اللَّه سبحانه وتعالى فكرًا نيرًا ومعرفة وحصافة وبُعدَ نَظر وإدراكًا وعقلًا، لكن المعروف في الغالب أنَّ الكبير يدرك ما لا يُدركه الصغير، لذلك رُفع عنه القلم.


= دعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لطعام صنعته له، فأكل منه، ثم قال: "قوموا فلأصل لكم". قال أنس: فقمت إلى حصير لنا، قد اسود من طول ما لبس، فنضحته بماء، فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وصففتُ واليتيم وراءه، والعجوز مِن ورائنا، فصلى لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ركعتين، ثم انصرف".
(١) اليتيم: الذي مات أبوه فهو يتيم حتى يبلغ، فإذا بلغ زال عنه اسم اليتيم. انظر: "تهذيب اللغة"، للأزهري (١٤/ ٢٤١).
(٢) يُنظر: "المجموع شرح المهذب"، للنووي (٤/ ٢٥٠)، وفيه قال: "واحتج أصحابنا بحديث عمرو بن سَلِمة، وبقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يؤم القومَ أقرؤهم لكتاب اللَّه"، ولأن مَن جازت إمامته في النفل جازت في الفرض كالبالغ.
والجواب عن حديث: "رفع القلم": أنَّ المراد رفع التكليف والإيجاب، لا نفي صحة الصلاة، والدليل عليه: حديث ابن عباس في "الصحيحين": أنَّه صلى مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . "، وحديث أنس في "الصحيحين": "أنَّه صلى هو واليتيم خلف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-"، وحديث عمرو بن سَلِمة المذكور هنا، وغيرها من الأحاديث الصحيحة، وأما المروي عن ابن عباس فإن صَحَّ فمُعارض بالمروي عن عائشة من صحة إمامة الصبيان. وإذا اختلفت الصحابة لم يحتج ببعضهم".
(٣) أي: بإطلاق في نفل وفرض، وهم الشافعية، كما سبق.
(٤) سبق ذكر هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>