للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: فهذا نصٌّ صريحٌ في الدلالة على جواز إمامة الصغير، ثم عادوا وقالوا: وأمَّا ما نُقل عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنَّه قال: "لا يؤم غلامٌ حتى يَحتلم"، قالوا: فقد عارضه ما نُقل عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أنها ترى إمامة الصبيان (١).

فهذا قول صحابي عارضه قول صحابية، فلا يمكن أن يقدم أحدهما على الآخر، فنرجع إلى الأصل (٢).

وقالوا: وأمَّا حديث "رُفع القلم عن ثلاثة" فليس فيه ما يمنع إمامة الصغير، وإنما لم يوضع عليه التكليف؛ أي: أنَّه غير مكلف، وليس في الحديث أنَّ صلاته لا تصح، إذًا صلاته تصح إذا صلاها، فكذلك الحال إذا صلى بغيره.

وقالوا: ومما يدل على صحة صلاته حديث أنس المتفق عليه: "فصففتُ أنا واليتيم خلفه، والعجوز مِن وراءنا" (٣).


(١) أخرجه البخاري تعليقًا (١/ ١٤٠)، قال: "وكانت عائشة يؤمها عبدُها ذكوانُ من المصحف"، ووصله ابن أبي داود في كتاب "المصاحف" (ص ٤٥٧) عن أبي بكر بن أبي مليكة، عن عائشة "أنها أعتقت غلامًا لها عن دبر، فكان يؤمها في شهر رمضان في المصحف"، وحكى نحوه الماوردي، فقال: "وروت عائشة -رضي اللَّه عنها- أنها قالت: كنا نأخذ الصبيان من الكتاب؛ ليُصلوا بنا في شهر رمضان، ونعمل لهم القبلية والحسكات". انظر: "الحاوي الكبير" (٢/ ٣٢٨).
(٢) قال الطوفي في "اختلاف أقوال الصحابة": "إذا اختلف الصحابة على قولين فأكثر لم يجز للمجتهد من غيرهم الأخذ بأحد الأقوال من غير دليل، وأجاز ذلك بعض الحنفية، وبعض المتكلمين؛ بشرط أن لا ينكر ذلك القول المأخوذ به على قائله.
لنا: على المنع من ذلك وجهان:
أحدهما: القياس على تعارض دليلي الكتاب والسُّنَّة وأَوْلَى، أي: إن قول الصحابي لا يزيد في القوة على الكتاب والسنة، ولو تعارض دليلان منهما، لم يجز الأخذ بأحدهما إلا بترجيح ونظر، فكذلك أقوال الصحابة أولى.
الوجه الثاني: أن أحد القولين خطأ قطعًا؛ لاستحالة كون الصواب في نفس الأمر في جهات متعددة، وإذا كان أحد قولي الصحابة خطأ، فالطريق إلى تمييز الخطأ من الصواب ليس إلا الدليل". انظر: "شرح مختصر الروضة" (٣/ ١٨٨).
(٣) أخرجه البخاري (٣٨٠)، ومسلم (٦٥٨/ ٢٦٦)، عن أنس بن مالك، "أن جَدَّته مليكة =

<<  <  ج: ص:  >  >>