للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدلوا أيضًا بما نقل عن عبد اللَّه بن عباس، أنَّه قال: "لا يَؤُمُّ غلامٌ حتى يَحتلم" (١)، أي: حتى يبلغ الحُلُم؛ وهو سن البلوغ (٢).

والذين قالوا بجواز إمامة الصبي استدلوا بأدلة: منها أولًا: حديث عمرو بن سَلِمَة، وهو أنَّه كان يؤم قومه وهو ابن سبع سنين، وهذه قضية يقولون: قد اشتهرت، وانتشر أمرها، ولا يبعد أن تكون وصلت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد عرفها الصحابة، ولم يُنكر ذلك الصنيع، فلم يُنقل أن أحدًا منهم أنكر ذلك العمل، فدل على أنها قضية قد انتشرت ووقعت وعرفت، وكان يؤم قومه والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لهم: "وليؤمكم أكثرُكم قرآنًا" (٣).


= احتمالات: أحدهما -وهو المنقول المشهور-: أنه مجاز، لم يُرد فيه حقيقة القلم ولا الرفع، وإنما هو كناية عن عدم التكليف.
الاحتمال الثاني: أن يُراد حقيقة القلم الذي ورد فيه الحديث: "أَوَّلُ ما خلق اللَّهُ القلمَ؛ فقال له: اكتب، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة"، فأفعال العباد كلها حسنها وسيئها يجري به ذلك القلم ويكتبه حقيقة، وثواب الطاعات وعقاب السيئات يكتبه حقيقة، وفعل الصبي والمجنون والنائم لا إثم فيه، فلا يَكتب القلم إثمه، ولا التكليف به". انظر: "إبراز الحكم من حديث رفع القلم" (ص: ٥٢، ٥٣).
(١) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (٣/ ٣١٩) وغيره، موقوفًا، وفيه: قال ابن عباس: "لا يؤم الغلام حتى يحتلم". قال الألباني: "يُخالفه حديث عمرو بن سلمة الذي أمَّ قومَه إذ كان صبيًّا. وهذا فيه إشارة إلى تضعيفه، وعلى كل حال فالأخذ بحديث عمرو أولى للقطع بصحته، ولأنه عن جماعة من الصحابة". انظر: "إرواء الغليل" (٥٣١).
(٢) سبق أن أكثر الأحناف قالوا بعدم جواز إمامة الصبي، وما ذكره الشارح من أدلة ذكروها.
قال الزيلعي في ترجيح عدم إمامة الصبي: "ولنا: قول ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: لا يَؤم الغلام الذي لا تجب عليه الحدود، وعن ابن عباس: لا يَؤم الغلام حتى يحتلم؛ ولأنه متنفل فلا يجوز أن يقتدي به المفترض، على ما يأتي بيانه، وأما إمامة عمرو فليس بمسموع من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنما قدموه باجتهاد منهم؛ لكونه أحفظ منهم لما كان يتلقى من الركبان حين كانت تمر بهم، فكيف يُستدل بفعل الصغير على الجواز، وقد قال هو بنفسه: وكانت عليَّ بُردة وكنت إذا سجدتُ تَقَلَّصت عني؛ فقالت امرأة من الحي: أَلَا تُغطوا عنا استَ قارئكم". انظر: "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (١/ ١٤٠).
(٣) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>