للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما جوابهم عن الحديثين:

الجواب الأول: قالوا: نحن نُقر بصحة هذه الأحاديث، ونُسَلِّم بها، لكننا نقول: إنَّها محمولة على الاستحباب.

وما توجيه ذلك؟

قالوا: إنَّ النَّفي في "استقبل صلاتك، لا صلاة للذي خلف الصف" متوجه إلى الكمال، لا إلى إلزام الصحة، أي: أنَّ الرَّسُول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا صلاة لفرد خلف الصف"، أي: لا صلاة كاملة (١).

وهذا التعليل يظهر عندما نتكلم عن وجوب القراءة في الصلاة عند الكلام على حديث عبادة: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" (٢)، فقد وجدنا أنَّ الحنفية علَّلوا بهذا التعليل (٣)، وعرفنا الرد عليهم؛ ووجود بعض الأدلة التي تنفي ذلك.

إذًا قالوا: النفي هنا إنَّما هو لنفي الكمال، وقالوا: ومما يدل على ذلك أنَّ الرَّسُول عليه الصلاة والسلام قال: "لا صلاة بحضرة الطعام" (٤).

والعلماء متفقون على أنَّ الإنسان لو كانت نفسه تتوق إلى الطعام


(١) قال النووي: "واحتج أصحابنا بحديث أبي بكرة وبحديث ابن عباس، وحملوا الحديثين الواردين بالإعادة على الاستحباب جمعًا بين الأدلة، وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا صلاة للذي خلف الصف"، أي: لا صلاة كاملة؛ كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا صلاة بحضرة الطعام"، ويدل على صحة التأويل أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- انتظره حتى فرغ، ولو كانت باطلة لما أقره على الاستمرار فيها". انظر: "المجموع شرح المهذب" (٤/ ٢٩٨).
(٢) أخرجه البخاري (٧٥٦)، ومسلم (٣٩٤/ ٣٤)، عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه-.
(٣) انظر: "التجريد"، للقدوري (١/ ٤٨٨، ٤٨٩)، وفيه قال: "احتجوا: بما رواه سفيان بن عيينة عن الزُّهري، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". والجواب: أن لفظة (لا) مشتركة: يحتمل نفي الجواز، ونفي الكمال؛ كقوله: "لا صلاة لجار المسجد إِلَّا في المسجد". وإذا احتملت الأمرين حُملت على نفي الكمال؛ لأنه متيقن".
(٤) أخرجه مسلم (٥٦٠/ ٦٧) عن عائشة -رضي اللَّه عنها-، وفيه قالت: إني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا صلاةَ بحضرة الطعام، ولا وهو يُدافعه الأخبثان".

<<  <  ج: ص:  >  >>