قالوا: لا سبيل إلا القول بتقدير الحذف رفعًا للتعارض وجمعًا بين الأحاديث التي ورد فيها المسح على العمامة مع الآية وحديث المغيرة الآخر، فيكون المطلوب هو المسح على الناصية مع العمامة.
فإذا قُدر وجود محذوفٍ ارتفع التعارض وحصل اتفاق الأدلة، وإلا بقي التعارض بين أحاديث من قالوا الجواز وبين ما ذهبنا إليه، فالمخرج ما صاروا إليه.
لكن كما يظهر هذه دعوى تحتاج إلى دليل، وفي المسألة أحاديث صحيحة، وهي أقوى مما تمسكوا به، وأيضًا يشكل عليه بأنه مسوغ للطعن في الراوي، إذ حذف ذلك مع علمه به مطعن عليه، وليس بصحيح، ثم إن صح أن يُقدَّر ذلك في حديثٍ واحدٍ، فكيف يكون في أربعة أحاديث أو أكثر! لا سيما أن حديث المغيرة الذي استدلوا به ورد في بعض الروايات أن الرسول عليه الصلاة والسلام مسح على العمامة، ولم يرد ذكرٌ للناصية.
إذن غالب الأدلة - كما ظهر لنا - هي دليل للذين يقولون بجواز المسح على العمامة.
لكن قد يقال: لماذا يختلف العلماء هذا الاختلاف مع أن القضية قضية جواز بين المسح وعدمه؟
الجواب: هذه رخصة من الله - عز وجل -، والله -سبحانه وتعالى- يُحِبّ أن تُؤْتَى رُخَصُهُ كما يكره أن تُؤتى معاصيه.
كذلك قد تجد النفس أحيانًا مشقة في أن تترك تكليفًا واجبًا وتنتقل منه إلى أمر أخف منه، مثاله ما ورفى في شأن قصر الصلاة، في قوله تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا)}[النساء: ١٠١]. فقد ورد أن يعلى بن أمية توقف في هذه الآية وسأل عمر - رضي الله عنه -: أليس قد أمن الناس؟ فقال له عمر - رضي الله عنه -: عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال:"صدقةٌ تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقتَه"، فلذلك لا ينبغي للمسلم عندما يجد الرخص أن يتركها ويأخذ بالعزائم، فكونها رخصة لا يخرجها عن كونها شريعة،