للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصَلِّي بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ: "مَا مَاتَ نَبِيٌّ حَتَّى يَؤُمَّهُ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِهِ" (١)، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ إِلَّا أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ ائْتَمَّ بِأَبِي بَكْرٍ، لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الإِمَامِ القَاعِدِ (٢)، وَهَذَا ظَنٌّ لَا يَجِبُ أَنْ يُتْرَكَ لَهُ النَّصُّ مَعَ ضَعْفِ الحَدِيثِ) (٣).

الخلاصة: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَؤُمَّنَّ أحدٌ بعدي جالسًا"، فمَنْ منع الإمامة أصلًا (أي: إمامة القاعد) يتعلَّق بهذا الحديث إن ثبت عنده، ومن أجاز ذلك، وأمر الناس بالجلوس يتعلَّق بحديث أنس: صلى قاعدًا، وصلينا وراءه قعودًا.


(١) ذَكَره ابن عبد البر، وقَدْ سبق.
وأخرَجه ابن سعد في "الطبقات" (٢/ ٢٢٢)، وفيه: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو مريض لأبي بكر: "صَلِّ بالنَّاس"، فوجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خِفَةً، فخرج وأبو بكر يصلي بالناس، فلم يشعر حتى وضع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يده بين كتفيه، فنكص أبو بكر، وجلس النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن يمينه؛ فصلى أبو بكر، وصلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بصلاته. فلما انصرف، قال: "لم يُقْبض نبيٌّ قطُّ حتى يَؤُمَّه رجل من أُمَّته"، وضعفه الأَلْبَانيُّ في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (٢٦٥٤).
(٢) قال أبو الوليد بن رشد: "ومنهم مَنْ ذهب إلى أن ذلك كان منه -صلى اللَّه عليه وسلم- في صلاتين؛ فكان في الصلاة الأولى هو الإمام، وائتمَّ في الثانية بأبي بكر، فكان فعلُهُ في الصلاة الثانية ناسخًا لفعله في الصلاة الأولى، وإلى هذا ينحو آخر قول مالك في هذه الرواية على ما قلناه، فعلى هذا التأويل تخلص الآثار من التعارض، فهو أولاها بالصواب، واللَّه أعلم". انظر: "البيان والتحصيل" (١/ ٢٩٩).
(٣) قال ابن عبد البر: "وأمَّا حديث ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فمنقطعٌ لا حُجَّة فيه، وقد تَكلَّمنا على معناه في تقديم أبي بكرٍ وقول ربيعة فيه: "ما مات نبيٌّ حتى يَؤُمَّه رجلٌ من أُمَّته"، فليس فيه ما يدلُّ على أن أبا بكر المقدم؛ لأنه قد صَلَّى -صلى اللَّه عليه وسلم- خلف عبد الرحمن بن عوف في السفر، وقول ربيعة لا يتصل، ولا يحتج به أحدٌ له أدنى فَهْم بالحديث اليوم، وكذلك ليس في قول مَنْ قال: لعله نسخ؛ لأنه لم يفعله أبو بكرٍ، ولا مَنْ بعده ما يشتغل به". انظر: "التمهيد" (٢٢/ ٣٢٢).
وقال أيضًا: "أكثَر الآثار الصِّحاح المُسْندة في هذا الباب أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان المقدم، وأن أبا بكرٍ كان يصلي بصلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قائمًا، والناس يصلُّون بصلاة أبي بكر، وهو الَّذي أقره مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الموطإ"، وقرئ عليه إلى أن مات". انظر: "التمهيد" (٦/ ١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>