للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَيْسَ يَجِبُ أَنْ يُتْرَكَ المَنْصُوصُ عَلَيْهِ (١) لِشَيْءٍ لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ (٢). قَالَ أَبُو عُمَرَ (٣): وَقَدْ ذَكرَ أَبُو المُصْعَبِ فِي "مُخْتَصَرِهِ" عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَا يَؤُمُّ النَّاسَ أَحَدٌ قَاعِدًا، فَإِن أَمَّهُمْ قَاعِدًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ وَصَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "لَا يَؤُمَّنَّ أَحَد بَعْدِي قَاعِدًا" (٤). قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ بِالحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ يَرْوِيهِ جَابِرٌ الجُعْفِيُّ مُرْسَلًا، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيمَا أَسْنَدَ، فَكَيْفَ فِيمَا أَرْسَلَ؟ (٥). وَقَدْ رَوَى ابْنُ القَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجُّ بِمَا رَوَاهُ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- خَرَجَ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ الإِمَامَ، وَكَانَ


(١) يُقْصَد بالمنصوص عليه: الأحاديث التي فيها متابعة المأموم للإمام في قيامه وقعوده، فلا يَنْبغي أن يترك هذا المنصوص لشيءٍ لم ينص عليه من صلاة الناس قيامًا بقعود الإمام، كما فهم من حديث صلاة النبي بالناس قعودًا.
(٢) انظر: "المحلى بالآثار"، لابن حزم (٢/ ١٠٩، ١١٠)، وفيه قال: "فنظرنا في هذا الخبر -يقصد حديث عائشة- فلم نجد فيه لا نصًّا، ولا دليلًا على ما ادعوه من نسخ الأمر بأن يصلي الأصحَّاء قعودًا خلف الإمام المصلي قاعدًا لحذرٍ، إِذْ ليسَ فيه بيان ولا إشارةٌ بأن الناس صلَّوا خلفه -عليه السلام- قيامًا، حاشا أبا بَكْرٍ المسمع الناس تكبيره فقط؛ فلم تجز مخالفة يقين أمره -عليه السلام- بالنقل المتواتر بأن يصلي الناس جلوسًا لِظَنٍّ كاذب لا يصح أبدًا، بل لا يَحل البتة أن يظن بالصحابة -رضي اللَّه عنهم- مخالفة أمره -عليه السلام-، كيف وفي نص لفظ الحديث دليل على أنهم لم يصلوا إلا قعودًا، وذلك لأن فيه: "أن الناس كانوا يقتدون بصلاة أبي بكر".
(٣) سبق نقله عن ابن عبد البر.
(٤) أخرجه الدارقطني في "سننه" (٢/ ٢٥٢)، عن جابر، عن الشعبي قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَؤُمَّنَّ أحدٌ بعدي جالسًا". لم يروه غير جابر الجعفي، عن الشعبي، وهو متروك، والحديث مرسل لا تقوم به حجة.
(٥) انظر: "الاستذكار"، لابن عبد البر (٢/ ١٧٤)، وفيه قال: "وقد احتج محمد بن الحسن لقوله ومذهبه في هذا الباب بالحديث الذي ذكر أبو المصعب أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يَوُمُّ أحدٌ بعدي قاعدًا"، وهو حديثٌ لا يصحُّ عند أهل العلم بالحديث، إنما يرويه جابر الجعفي، عن الشعبي مرسلًا، وجابر الجعفي لا يُحْتج بما يَرْويه مسندًا؛ فكيف بما يَرْويه مرسلًا؟! ".

<<  <  ج: ص:  >  >>